للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظهور هذا من المنقول عن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كظهور هذا، وإنْ كانوا مخطئين في ذلك ... ) (١) .

وأمّا الفلاسفة فقد ذكر الرَّازي أنّ ظاهر النَّقل عن أكثرهم إنكارُه (٢) . وذهبوا إلى تفسيرها بـ"قوى النفس الخبيثة"، كما جعلوا الملائكة هي "قوى النفس الصالحة".قال شيخ الإسلام - رحمه الله -؛ مبيّنًا مقالة الفلاسفة: (ولهذا يؤول بهم الأمر إلى أنْ يجعلوا الملائكة والشياطين أعراضًا تقوم بالنفس، ليست أعيانًا قائمةً بنفسها، حيّةً، ناطقةً. ومعلوم بالاضطرار أنّ هذا خلافُ ما أخبرت به الرّسل، واتّفق عليه المسلمون) (٣) .

وممّن فُهِم منه تقلّد هذا القول على وجه الاختصاص من الفلاسفة المنتسبين للإسلام = أبو عليّ ابن سينا؛ حيث قال في حدّ الجنّ: (حيوانٌ هوائيٌّ، ناطقٌ، مشفّ الجرم، من شأنه أن يتشكّل بأشكال مختلفة) ثم قال: (وليس هذا رسْمُه؛ بل هو معنى اسمه) (٤) .

ففُهِم من قوله: (وليس هذا رَسْمَه؛ بل هو معنى اسمِهِ) = أَنَّه أراد بيان مدلول اللّفظ من حيث هو، بقطع النَّظَرِ عن تحقّق وجودٍ موضوعيٍّ له. والتعريف الاسمي ليس له وجود إلاّ في الأذهان.

قال " أبو البقاء الكَفَوي" مُبِيْنًا عن مقاصدِ ابن سينا في حدّه المرسوم آنفًا: (أي: هذا بيان لمدْلول هذا اللفظ، مع قطْع النّظر عن انطباقه على حقيقةٍ خارجيّةٍ؛ سواءً كان معدومًا في الخارج، أو مَوْجودًا، ولم يُعلم وجودُه فيه. فإنّ التعريف الاسمي لا يكون إلاّ كذلك؛ بخلاف


(١) "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة" (٢/ ١٠٢ - ضمن الرسائل المنيرية) .
(٢) انظر: " مفاتيح الغيب" (١/ ٦٢٣)،و (١٠/ ٦٦١) .
(٣) "بغية المرتاد" (ص ٢١٩ - ٢٢٠) وانظر: "مجموع الفتاوى (٤/ ٣٤٦) .
(٤) "الحدود"لابن سينا (٩٠ - ضمن تسع رسائل في الحكمة) .

<<  <   >  >>