للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعريف الحقيقي؛ فإنه عبارة عن تصوّر ما له حقيقةٌ خارجيّة في الذهن) (١) .

وحمَل الرازي مقالة ابن سينا هذه على أنّه قصد منها إنكارَ الجنّ؛ لذا تراه يقول: (والنّقل الظاهر عن أكثر الفلاسفة إنكارُه؛ وذلك لأن أبا علي ابن سينا قال: " الجنّ حيوان متشكّل .... ثم قال: وهذا شرْح للاسم" فقوله: "وهذا شرحٌ للاسم" يدلّ على أن هذا الحدّ شرحٌ للمراد من هذا اللّفظ، وليس لهذه الحقيقة وجودٌ في الخارج) (٢) .

وأيًّا ما كان؛ فإنّ العبارة مُجمَلة، وليست نصًّا في الإنكار. وأمّا دفاع بعض الباحثين (٣) عن ابن سينا في نفْي أن تكون هذه المقالة دالّةً على ما فهم منها الرازي؛ بنقلهم عن الأوَّل-أعني ابن سينا- قوله: (واعلم أنه قد يغلب على أوهام النّاس أن الموجود هو المحسوس، وأن ما لا يناله الحسّ بجوهره، ففرْض وجوده مُحال، وأن ما لا يتخصّص بمكان، أو وضْعٍ بذاته؛ كالجسم، أو بسبب ما هو فيه؛ كأحوال الجسم = فلا حظَّ له من الوجود، وأنّك يتأتّى لك أن تتأمل نفس المحسوس؛ فتعلم منه بطلان قول هؤلاء) (٤) .

والحقيقة أن الاعتضاد بهذا النصِّ لا يصلح أن يكون شاهدًا على تبرئة ابن سينا؛ مما قد يسبق إلى الذهن من مقالته الآنفة الذكر أنه نفْي للجن؛ ذلك أنه لا يلزم مِن رَدِّه على من أنكر وجود موجود غير


(١) "الكليات"للكفوي (٣٥٠ - ٣٥١) . والكفوي (؟ -١٠٩٤ هـ):هو أيوب بن موسى الحُسيني القريمي الكفوي، كان من قضاة الأَحناف، عاش وولي القضاء في "كفه"بتركيا، وبالقدس، وببغداد، وعاد إلى استانبول فتوفي بها، له كتب بالتركيَّة."الأَعلام" (٢/ ٣٨) .
(٢) "مفاتيح الغيب" (١٠/ ٦٦١) .
(٣) انظر: "عالَم الجنّ" للدكتور عبد الكريم عبيدات (١٠٩) .
(٤) "الإشارات والتنبيهات" (٣/ ٧ - وما بعدها) .

<<  <   >  >>