للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محسوس- هذا على تقدير: أنه أراد بغير المحسوس هنا ما من شأنه أن يُحسّ في حالٍ دون حالٍ -=أنه بذلك يُثبت وجود الجنّ؛ لأنه قد يكون الحاملُ له على إنكار الجنّ شبهةً تفارق شبهة من أنكرهم بناءً على عدم شهود حِسّ بعض الخلق بهم. هذا على جهة التسليم بأن مراده بقوله السابق: (أنه قد يغلب على أوهام النّاس أن الموجود هو المحسوس): وجود موجودٍ لا يقع الإحساس به لعموم الناس، أو الإحساس به في حالٍ دون حالٍ. وإلَّا فإن مراد ابن سينا من التقرير السابق كما يظهر من سياق كلامه =هو الاستماتة في برهنة ما ذهب إليه آرسطو من وجود الكُليَّات العقليَّة في الخارج مع انتفاء اختصاصها بمكان أَو وضع؛ مع كون ذلك ممَّا يُناقض الضرورة القاضيَّة بامتناع وجود موجود في الخارج ليس مُختصًّا مُتعيّنًا لذا قال الإمام ابن تيمية: (وليس في الخارج كليٌّ مع كونه كُليًّا، وإنَّما يكون كُليًّا في الذِّهن، وإذا قُدِّر في الخارج كلي؛ فهو جزء من المُعيَّنات وقائم بها، ليس هو متميِّزًا قائمًا بنَفْسِهِ .. ) (١) .

فاعتضاد مَن أراد دفْع شبهة القول بإنكار الجنّ عن ابن سينا؛ بما ذكره في كتابه "الإشارات" = ليس سديدًا؛ لانفكاك ما بين المثالَين. هذا في أحسن الأحوال، إن لم نقل: إنه دالٌّ على نقيض ما ساقوا لأجله نَصّ كلامه. فيبقى أن موقفه من إثبات الجن، أو نفْيه لهم؛ محل تردد حتى يثبت نصّ صريح يرجّح أحد الأمرين.

وقد ذهب بعض الإسلاميين المعاصرين إلى إنكار الجنّ والشياطين صراحةً، وتأويلهما تأويلًا يعود على النصّ بالإبطال؛ إما بتأويلهما بأنهما أرواح الناس؛ فإنْ أُلهِمت بخواطر خيرٍ فهي الملائكة، وإلاّ فمصدرُها أرواح الشر - الشياطين -.


(١) "مجموع الفتاوى" (١٣/ ١٩٧) . وانظر:"درء التعارض" (٦/ ٢٦ - وما بعدها)،و"الأُصول الرُّواقيّة في الفلسفة الإسلامية "للدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد (٣٥٨ - ٣٦٢) .

<<  <   >  >>