للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ذلك يقول الشيخ "محمد عبده": (إنّ إلهام الخير، والوسوسة بالشرّ، مما جاء في لسان صاحب الوحي - صلى الله عليه وسلم -. وقد أُسنِدا إلى هذه العوامل الغيبية، وخواطر الخير التي تُسمّى إلهاما، وخواطر الشرّ التي تُسمّى وسوسة؛ كلٌّ منهما محلّه الروح. فالملائكة والشياطين إذنْ أرواح تتصل بأرواح الناس، فلا يصحّ أن تمثَّل الملائكة بالتماثيل الجثمانية المعروفة لنا؛ لأن هذه لو اتصلت بأرواحنا، فإنما تتصل بها من طرق أجسامنا، ونحن لا نحس بشيء يتصل بأبداننا؛ لا عند الوسوسة .... فإذن؛ هي من عالمٍ غير عالَم الأبدان قطعًا) (١) .

وتقلَّد الدكتور "محمّد البهي" (٢) مذهبًا في الجنّ يتّسم بالتناقض؛ أنكى وأشدّ مباينةً ومفارَقةً للدلائل الشرعيّة؛ حيث لم يجعل في بعض الموارد للجنّ حقيقةً تُمايِز حقيقة الإنس؛ بلْ هم - فيما زعم - طائفة من البَشَر. وقد قرّر ذلك بقوله: (وقد يطلق الجنّ على فريقٍ خيِّرٍ من الناس، غريبٍ وغير معْهودٍ. ولأنّه غريبٌ وغيرُ معْهودٍ كان بمثابة المحسوس وغير المرئيّ. يقول الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٢)} الأحقاف: ٢٩ - ٣٢ فهذا النفر من


(١) "تفسير المنار" (١/ ٢٦٧) .
(٢) محمد البهي: (١٣٢٣ هـ-١٤٠٢ هـ):هو أحد أعلام الأزهر، حفظ القرآن وتخرج في الأزهر، و نال الدكتوارة في الفلسفة من ألمانيا، وعاد إلى الأزهر مدرسًا للفلسفة، ثم عُيِّن مديرًا لجامعة الأزهر، فوزيرًا للأوقاف، من مؤلفاته"الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي"و"الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي"=انظر:"ذيل الأعلام"لأحمد العلاونة (١٦٩ - ١٧٠) .

<<  <   >  >>