للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

راكبًا أخبر بذلك. فقال: هذا أبو الهيثم من الجن؛ بريد المؤمنين، وسيأتي بريد الإنس، فأتاهم بريد الإنس بعد أيَّام) (١) .

فخبر أبي الهيثم - إنْ صحّ - فإنّه يدلّ على مشاركة مؤمني الجن في الجهاد. لذا قال ابن تيمية معقّبًا على هذا الخبر: (فهؤلاء الجن كانوا مؤمنين مجاهدين في سبيل الله) (٢) وقال في موطن آخر: (والدلائل الدالّة على هذا الأصل - أي: تكليف الجنّ -، وما في الحديث، والآثار من كون الجنِّ يحجُّون، ويصلُّون، ويجاهدون، وأنهم يعاقَبون على الذَّنْبِ = كثيرة جدًّا) (٣) .

ولو قدّر انتفاء حصول الجهاد منهم؛ فإن ذلك لا يلزم منه انتفاء وجودهم؛ لانفكاك ما بين المسألتين.

الجهة الثانية في النظر في هذه الدعوى: أَنَّ الأدلَّةَ لا تنهض على إثبات جهاد الجنّ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو مع المؤمنين عمومًا؛ لكنها أيضًا لا تنفي ذلك. فعدم العلم بها ليس علمًا بالعدم، فليس مع الجاحد إلاّ النفي، والنّفي المجرّد خبرٌ عن جهْل الإنسان بالدَّلائل، والواجب فيما لم ينتصب للناظر في قضية دليل نفي أو إثبات =أن يُسرِّحها إلى بُقْعةِ


(١) أصل الخبر مروي من طرق أخرجها أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص ٥٢٦) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٠/ ٢٥) وغيرهما. وقد قال عنها الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (١٠/ ١٧٦): (فهذه طرق يشدُّ بعضُها بعضًا) . وتعقّبه العلاّمة الألباني بقوله: (وفي هذا نظرٌ؛ فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف بن عمر، والواقدي. وهما كذّابان. ومدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير: ((وفي صحّته من حديث مالك نَظَر)) ... فتبيَّن ممَّا تقدَّم أَنَّه لايصِحُّ شيءٌ مِن هذه الطُرُقِ إلَّا من طريق ابن عجلان) ((السلسلة الصحيحة)) (٣/ ١٠١ - ١٠٢) . وأما خبر أبي الهيثم فقد أورده الحافظ ابن حجر في ((الإصابة)) (٧/ ٤٥١)،وابن تيمية في ((قاعدة عظيمة)) (ص ١٥٤ - ١٥٥) ولم أقف على إسنادٍ له.
(٢) ((قاعدة عظيمة)) لابن تيميَّة (ص ١٥٥) .
(٣) "مجموع الفتاوى"لابن تيميَّة (٤/ ٢٣٣ - ٢٣٧) .

<<  <   >  >>