للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتأبّي عن قبول أخبار الآحاد = عند التحقيق هو: نَبْذُ السنن كُلِّها.

وفي تقرير ذلك يقول: (فأما الأخبارُ فإنّها كلها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَبَرٌ من رواية عَدْلين , روى أَحدهما عن عَدْلين , وكل واحد منهما عن عَدْلين , حتّى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فَلمَّا استحال هذا، وبَطَل = ثَبَتَ أَن الأَخبار كُلَّها أَخبار آحاد. وأَنّ من تنكَّب عن قبول أخبار الآحاد , فَقَد عَمَدَ إلى تركِ السُّنَنِ كُلِّها؛ لعَدَمِ وجود السُّنن إلا من رواية الآحاد) (١)

فإذنْ؛ لم يبق من جِهة الواقع إلا السنة الآحادية التي تُقرِّر معاني القرآن، وتُبِينُ عن معناه تبيانًا مفصلًا يرفع عما كان محتملًا الاحتمال = لذا عَمَد المعتزلة إلى سَلْب هذه الأَخبار العلميةِ؛ ليتلطّفوا في إهدار الاحتجاج بها.

وبالجُملة: فكلُّ مَن نَفى إفادة خبر الآحاد العلمَ مطلقًا؛ ومِن ثَمَّ التَّأبِّي عن قَبُولِ الاحتجاج به في أُصول الدين = فإنه متأثر في الأَصل بمادةٍ اعتزاليةٍ أدّته إلى هذه النتيجة.

وبطلان هذه النظرة التقويضية للوحي، يتأتَّى عَبْر طرائق ثلاثٍ:

الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السُّنّةِ.

الثانية: الإبانة عن بطلانِ إهدار الاحتجاج بالسنة الآحاديةِ.

الثالثة: الإبانة عن فساد سَلْب العلمية عن أخبار الآحاد.

الطريقة الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السنة في الاعتقادات.

إِنَّ الاتِّساق والمطابقة بين القرآن وبين السُّنَّة الثَّابتة الصحيحة؛ من


(١) "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (١/ ١٥٦)

<<  <   >  >>