للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَحَى هذه النظرية (١) . ويُقرُّ "فرويد" بتنوع بواعثها وميراثها؛ إلا أنه يجعل الباعثَ المهيمن لها هو الرغبات الجنسية المكبوتة، والبحث عن اللّذة؛ التي أطلق عليها اسم "اللبيدو" (٢) .

فهذه الرغبات هي التي تغذّي الأحلام وتفسرها. ويُعلَّل حصول ذلك بانفلات هذه الرغبات المكبوتة في "اللاشعور" من رقابة "الشعور"، فتتبدّى للنائم في حلمه على هيئة رموز ذات مدلول جنسي؛ لها معنى ظاهر، ومعنى كامن؛ هو في حقيقته المعبر عن اللاشعور الذي يقوم بتوجيه سلوك الفرد اليومي. هذا المعنى الكامن لا يتوصل إلى كُنْه الحالِم، وإنما الطبيب المفسر الذي يُخضِع هذه الرموز لأدواته.

فنشوء الأحلام عند أتباع مدرسة التحليل النفسي يعتمد على مثيراتٍ مادية، يختلف أصحابه في أعظمها أثرًا في تكوين الأحلام. واختزال تفسير الأحلام في هذا الأنموذج، يقضي على الجانب الغيبي المدلول عليه بالشرع؛ كما هو مبين.

وأما الفريق الذي مَنَح الرُّؤيا بُعدًا غيبيًا لم يرد به النص = فيمثله: الراغب الأصفهاني وابن خلدون، اللذان أرجعا حدوث الرُّؤيا إلى فعل النفس الناطقة. وفي تقرير ذلك يقول الراغب الأصفهاني: (والرُّؤيا هي فعل النفس الناطقة، ولو لم تكن لها حقيقة لم تكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة. والله يتعالى عن الباطل) (٣) .

ويقول ابن خلدون (٤): (وأما الرُّؤيا فحقيقتها: مطالعة النفس الناطقة


(١) انظر: "طريقة التحليل النفسي والعقيدة الفرويدية" لرولان دالبييز (٣٧) .
(٢) انظر: "الأحلام" لفرويد (١٣٨)، و "طريقة التحليل النفسي والعقيدة الفرويدية" (٦٠٤) .
(٣) "الذريعة إلى مكارم الشريعة" (١٤٦) .
(٤) ابن خلدون (٧٣٢ هـ-٨٠٧ هـ): هو ولي الدين، أبو زيد، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، الإشبيلي أصلًا، التونسي مولدًا. حافظ، متبحر في سائر العلوم. ولي القضاء بالقاهرة وحَلب. يُعدّ من أئمة علم التاريخ والاجتماع. من مؤلفاته: "العبر" و"التعريف". انظر: "شجرة النور الزكية" (١/ ٢٢٧ - ٢٢٨) .

<<  <   >  >>