سياسة تبعًا لمصطلحكم، وإنما هي شرع حق. فقد حبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تهمة، وعاقب في تهمة؛ لمّا ظهر أمارات الريبة على المتهم. فمن أطلق كلَّ متهم وخلى سبيله مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، ونقبه البيوت وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل= فقوله مخالف للسياسة الشرعية. وكذلك منع النبي - صلى الله عليه وسلم - الغال من سهمه من الغنيمة، وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه كله، وكذلك أخذه شطر مال مانع الزكاة، وكذلك إضعافه الغرم على سارق ما لا يقطع فيه وعقوبته بالجلد، وكذلك إضعافه الغُرْم على كاتم الضالة. وكذلك تحريق عمر حانوت الخمار، وتحريقه قرية خمر، وتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجَبَ فيه عن الرعية، وكذلك حلقه رأس نصر بن حجاج ونفيه، وكذلك ضربه صَبِيغًا، وكذلك مصادرته عمّاله، وكذلك إلزامه الصحابة أن يقلِّوا الحديثَ عن رسول الله؛ ليشتغل الناس بالقرآن فلا يضيعوه. إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فصارت سنةً إلى يوم القيامة وإن خالفها مَن خالفها.
ومن هذا تحريق الصديق للوطي، ومن هذا تحريق عثمان للصُّحف المخالفة للسان قريش. ومن هذا اختيار عمر للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهره؛ فلا يزال البيت الحرام مقصودًا، إلى أضعاف أضعاف ذلك من السياسات التي ساسوا بها الأمة وهي بتأويل القرآن والسنة.
وتقسيمُ الناس الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم من قسم الطريقة إلى شريعة وحقيقة، وذلك تقسيم باطل؛ فالحقيقة نوعان: حقيقة هي حقٌّ صحيح، فهي لب الشريعة لا قسيمتها، وحقيقة باطلة، فهي مضادة للشريعة كمضادة الضلال للهدى.