وكذلك السياسة نوعان: سياسة عادلة، فهي جزء من الشريعة وقسم من أقسامها لا قسيمتها. وسياسة باطلة، فهي مضادة للشريعة مضادة الظلم للعدل.
ونظير هذا: تقسيم بعض الناس الكلامَ في الدين إلى الشرع والعقل هو تقسيمٌ باطل؛ بل المعقول قسمان: قسم يوافق ما جاء به الرسول، فهو معقول كلامه ونصوصه لا قسيم ما جاء به. وقسم يخالفه، فذلك ليس بمعقول؛ وإنما هو خيالات وشُبَه باطلة يظن صاحبها أنها معقولات وإنما هي خيالات وشبهات.
وكذلك القياس والشرع، فالقياس الصحيح هو معقول النصوص، والقياس الباطل المخالف للنصوص مضاد للشرع.
فهذا الفصل هو فرق ما بين ورثة الأنبياء وغيرهم، وأصله مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسنّة إلى كل ما يحتاجُ إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم التي بها صلاحهم في معاشهم ومعادهم، وأنه لا حاجة إلى أحدٍ سواه البتة، وإنما حاجتنا إلى ما يبلغنا عنه ما جاء به. فمن لم يستقرّ هذا في قلبه لم يرسخ قدمُه في الإيمان بالرسول، بل يجب الإيمان بعموم رسالته في ذلك كما يجب الإيمان بعموم رسالته بالنسبة إلى المكلفين. فكما لا يخرج أحدٌ من الناس عن رسالته البتة فكذلك لا يخرج حق من العلم والعمل عما جاء به، فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلى سواه، وإنما يحتاج إلى غيره من قلَّ نصيبُه من معرفته وفهمه، فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته، وإلا فقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلِّب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للأمة منه علمًا وعلَّمهم كل شيء ...