للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صفوان بن أمية نائمًا على رداءٍ له في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء لصٌّ فسرقه، فأخذه فأتى به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بقطع يده، فقال: يا رسول الله، أعلى ردائي تقطع يده؟ أنا أَهَبُه له، قال: «فهلَّا قبل أن تأتيني به (١)» ثم قطعَ يدَه. رواه أهل السنن (٢).

يعني - صلى الله عليه وسلم -: أنك لو عفوتَ عنه قبل أن تأتيني به لكان، فأما بعد أن رُفِع إليَّ فلا يجوز تعطيل الحدِّ لا بعفوٍ ولا بشفاعةٍ ولا بهبة ولا غير ذلك.

ولهذا اتفق العلماء ــ فيما أعلم ــ على أن قاطعَ الطريق واللص ونحوهما إذا رُفِعوا إلى وليِّ الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم، بل تجب إقامته وإن تابوا. فإن كانوا صادقين في التوبة كان الحدُّ كفارةً لهم، وكان تمكينُهم من ذلك من تمام التوبة، بمنزلة رد الحقوق إلى أهلها، والتمكين من استيفاء القصاص في حقوق الآدميين.

وأصل هذا في قول الله سبحانه وتعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: ٨٥]، فإن الشفاعة هي: إعانة الطالب حتى يصير معه شفعًا بعد أن كان


(١) (ي، ز) زيادة: «عفوتَ عنه».
(٢) أخرجه أحمد (١٥٣٠٥)، وأبو داود (٤٣٩٤)، والنسائي (٤٨٧٩)، وابن ماجه (٢٥٩٥)، والدارقطني: (٣/ ٢٠٤)، والحاكم: (٤/ ٣٨٠)، والبيهقي: (٨/ ٢٦٥) وغيرهم من طرق عن صفوان به بألفاظ مختلفة. قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق»: (٤/ ٥٦٣)، وابن الملقن في «البدر»: (٨/ ٦٥٢). ومجموع طرقه لا تخلو من مقال، ولذلك مال إلى تضعيفها عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام»: (٣/ ٥٦٨ - ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>