للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرةً عَمْرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ــ استعطافًا لأقاربه الذين بعثه إليهم ــ على مَن هو أفضل منه (١). وأمَّر أسامة بن زيد لأجل طلب ثأر أبيه (٢). وكذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة، مع أنه قد كان يكون مع الأمير مَن هو أفضل منه في العلم والإيمان.

وهكذا كان أبو بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - ما زال يستعمل خالدًا في حرب أهل الرِّدَّة، وفي فتوح العراق والشام، وبَدَت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذُكِر له عنه أنه كان له فيها هوى، فلم يعزِلْه من أجلها، بل عَتَبَه (٣) عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه (٤)، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خُلُقه يميل إلى الشِّدَّة، فينبغي أن يكون خُلُق نائبه يميل إلى اللين، وإذا كان خُلُقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، ليعتدل الأمر.

ولهذا كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يُؤثِر استنابةَ خالد، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يؤثر عزلَ خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح؛ لأن خالدًا كان شديدًا كعمر، وأبا عبيدة كان ليِّنًا كأبي بكر، فكان [أ/ق ٧] الأصلح لكل منهما أن يولي مَن ولاه؛ ليكون أمره معتدلًا، ويكون بذلك مِن خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو معتدل، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا نبيُّ الرحمة، أنا نبيُّ


(١) أصله في البخاري (٤٣٥٨)، ومسلم (٢٣٨٤)، وانظر «سيرة ابن هشام»: (ق ٢/ ٤/٦٢٣ - ٦٢٤).
(٢) انظر «سيرة ابن هشام»: (ق ٢/ ٤/٦٤١ - ٦٤٢).
(٣) (ي): «عاتبه»، (ظ): «لم يعبه».
(٤) (ظ، ل، ب): «إبقائه».

<<  <  ج: ص:  >  >>