للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: عدم وجود الدليل على ما يزعمون]

ثم إنهم يقولون: إن هذه القاعدة صحيحة إذا كان الشيء قابلاً للصفتين والله ليس قابلاً، فنقول: ما هو الدليل على أن الله ليس قابلاً؟ الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه أنه متصف بهذه الصفات، كقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣] وهذا في سياق تكليمه سبحانه لنبيه، وفي سياق الرسل قال: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:٢٥٣] فالله سبحانه وتعالى سمع كلامهم، وكقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] وقوله: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦] وقوله: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} [آل عمران:٢٩] فالله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه بهذه الصفات وغيرها، فمن أين لكم -من الشرع أو من العقل- أن الله ليس قابلاً لهذه الصفات؟!

وقوله رحمه الله: (فإن قلت: إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلاً لهما، وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة، لا تقابل السلب والإيجاب، فإن الجدار لا يقال له: أعمى ولا بصير، ولا حي ولا ميت؛ إذ ليس بقابل لهما.

قيل لك: أولاً: هذا لا يصح في الوجود والعدم، فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء، فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر).

هذا هو الجواب الأول: أن مسألة التفريق بين تقابل العدم والملكة، وتقابل السلب والإيجاب، وأن زيداً إن قلت: إنه ليس بأعمى؛ لزم أن يكون مبصراً، بخلاف الجبل، ونحو ذلك، نقول: هذا في مسألة العمى والبصر ونحوه، لكن هناك بعض المقدمات التي لا يمكن أن ننازع فيها أنها من باب تقابل السلب والإيجاب، ومعنى تقابل السلب والإيجاب: أن يلزم من نفي أحدهما ثبوت الآخر، وهو الوجوب.

وإذا صح الأمر في صفة واحدة، أو في اسم واحد، أو في معنىً واحد؛ بطلت القاعدة التي يزعمون أنها تقول: إن الاشتراك في الاسم المطلق يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص، فالإبطال الأول الذي ذكره المصنف هو بمسألة الوجود، وقد ذكرنا سابقاً: أن المصنف عني بتقرير مسألة الوجود ليس من باب عناية المتكلمين بها، فإن المتكلمين -ولا سيما غلاتهم- يعنون بتقرير مسألة الوجود لذاتها، لكن المصنف يقول: إن مسألة وجود الله تعالى مسألة فطرية، ولسنا نريد أن نثبت الأدلة على وجود الله؛ لأن هذه مسألة بينة بدليل الفطرة، ودلائل العقول المتواترة، ودلائل الشرائع، وغير ذلك، فهو لا يقصد إلى إثباتها كمسألة تحتاج إلى إثبات وتفصيل أو مجادلة، إنما يستعمل مسألة الوجود لأنها مبتدأ ضروري في مناظرة هؤلاء، فإنهم يقولون: إن الله موجود، وإن المخلوق موجود، ولا يلزم من الاتفاق في الاسم التطابق في الماهية -أي: في ماهية الوجود- عند الإضافة والتخصيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>