قال المصنف رحمه الله:[لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العيني ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به].
أي أن ثمة فرقاً بين الوجود العيني والوجود العلمي (المطلق)، بين الوجود المطلق في الذهن، وبين الوجود المعين في الخارج، وهذه كلها من بدهيات الإدراك، ولذلك فإن من خالفها من متقدمي المتفلسفة -كـ أفلاطون الذي تكلم في مسألة الكليات المجردة القائمة في الخارج- فإنه هو الذي تكون مخالفته ممتنعة من جهة العقل والتحصيل، وذلك عندما قال: إن ثمة كليات موجودة في الخارج، وهذا ممتنع، فلا يوجد في الخارج إلا ما هو معين، فمثلاً: لا يوجد في الخارج إنسان كلي، إنما يوجد في الخارج الإنسان على معنى زيد وعمرو، وما إلى ذلك من أعداد بني آدم.
قال رحمه الله:[وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف، لها وجود في الأذهان، وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة، وصفاتها القائمة بها المعينة، فتتشابه بذلك وتختلف به.
وأما هذه الجمل المختصرة، فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة، من فهمها علم قدر نفعها، وانفتح له باب الهدى، وإمكان إغلاق باب الضلال، ثم بسطها وشرحها له مقام آخر، إذ لكل مقام مقال].
من أحسن ما يراجع في هذا كتاب: درء تعارض العقل والنقل، وبغية المرتاب، والصفدية، وكتاب منهاج السنة، ففيه اصطلاحات وأبحاث في بعض الموارد مناسبة لهذا المقام.
فهذه الكتب الأربعة في الجملة أن كلام المصنف يكون مجموعاً فيها.
قال رحمه الله:[والمقصود هنا أن الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب، وينزه عنه -كما يفعله الكثير من المصنفين- خطأ لمن تدبر ذلك، وهذا من طرق النفي الباطلة].
وهذا من باب الاحتجاج، وهناك فرق بين أن تقول: الاعتماد في النفي على مجرد نفي التشبيه، وبين أن تقول: إن التشبيه منفي، والمصنف لا يريد أن يقول: إن التشبيه مثبت، وليس منفياً، إنما يقول: إن الاعتماد (الاعتماد بالحجة) على مجرد نفي التشبيه ليس محكماً، ومعنى قوله:(على مجرد نفي التشبيه) أي: هذا الاسم بإطلاقه، أما إذا ذكر مفصلاً، أو مقترناً بما يفسره، وما إلى ذلك؛ فإن هذا يكون وجهاً آخر ليس على ما ذكر المصنف، إنما الذي يمنعه، ويقول بأنه ليس محكماً من جهة الحجج: هو الاعتماد على مجرد نفي التشبيه في مقام الاحتجاج.