للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعطيل الصفات يستلزم نفي الذات]

وقوله رحمه الله: (ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلاً يستلزم نفي الذات):

أي أنهم إذا قالوا: إنه ليس قابلاً للصفات؛ لزم من ذلك أن لا يكون قابلاً للوجود؛ لأن وجود موجود قائم بنفسه، غني عما سواه -وهو الله سبحانه وتعالى- يمتنع إلا أن يكون هذا القائم بنفسه الغني عما سواه متصفاً بصفات الكمال، والله سبحانه وتعالى قد أجمع المسلمون وعامة الأمم على أنه سبحانه هو الواحد الأحد، القائم بنفسه، الواحد في ربوبيته، وإن كانوا يشركون في الألوهية -أي: غير المسلمين- لكن من الفطرة المستقرة عند عامة بني آدم أن الله هو الرب الواحد في ربوبيته، القائم بنفسه، الغني عما سواه.

فإذا كان كذلك فلا بد لهذا القائم بنفسه الغني عما سواه أن يكون متصفاً بصفات الكمال، وإذا تجرد عنها أو عُطل عنها استلزم ذلك نفي الذات.

وقد ذكر الله تعالى قصة إبراهيم عليه السلام لما جادل الصابئة، فإنه بعث في بلاد كان أئمتها المتفلسفة وأتباعهم هم الصابئة، وكانوا ينظرون في مثل هذه المقالات، ومما يدل على أن مقالة نفي الصفات أصلها مقالة صابئية فلسفية: أن إبراهيم عليه السلام جادل قومه -وهم الصابئة- في مسائل تتعلق بأصول الربوبية والخلق والأفعال الإلهية، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:٧٥ - ٧٦] ولما جاء ابن سينا إلى مسألة الأفول: (فَلَمَّا أَفَلَ) أخذ يُرجعها إلى نفس نزعة الصابئة القديمة فقال: إنه (لما أفل) أي: تحرك، فدل ذلك على أن الإله لا يتحرك.

وهذا غلط؛ ولأن معنى (أفل) أي: غاب واحتجب الكوكب.

وقد كان إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} [مريم:٤٢] فدل ذلك على أن الإله الحق لا بد أن يكون متصفاً بهذه الصفات، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد عطل ربوبية وألوهية هذه المعبودات لكونها لا تتصف بصفة أو صفتين، فمن باب الأولى ما يتعلق بسائر الصفات، كما قال تعالى عن أصحاب العجل: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ} [الأعراف:١٤٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>