للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المجاز]

لم يتكلم شيخ الإسلام ابن تيمية عن تلك المصطلحات اللغوية، كقول القائل: رأيت أسداً يخطب، فهذا مجاز عند ابن تيمية يقول به، وكقوله: رأيت رجلاً يخطب، فهذا حقيقة عند ابن تيمية يقول به.

ولكن يقول شيخ الإسلام: "إن مسألة المجاز إذا نظر إليها باعتبارها من عوارض الألفاظ فهذا اصطلاح، والاصطلاح فيه سعة، وأما إذا نُظر إليها باعتبارها من عوارض المعاني، فهذا هو الذي ذكرنا فيه ما ذكرنا)، إذاً: ابن تيمية لا ينفي المجاز كمصطلح، والنحاة قد سموا بعض الجمل: حالاً، وفاعلاً، وتمييزاً ..

إلخ، وهذه مصلطحات، ولا مشاحة في الاصطلاح، وابن تيمية وغيره قد أجازوا مصطلحات شرعية، فضلاً عن مصطلحات لغوية؛ بل نجد أن ابن تيمية أحياناً يقول: هذا من مجاز اللغة، وفي كلام ابن القيم مثل هذا؛ حتى قال من قال من الباحثين: إنهم تناقضوا، وهذا غير صحيح؛ لأن ما عبر به ابن تيمية من كلمة (مجاز) يقصد به عوارض الألفاظ، وأما ما رده وعطله فهو كون المجاز من عوارض المعاني، بمعنى: أن الآية من القرآن لها معنىً يُسمى الحقيقة، ولها معنىً آخر يُخالف المعنى الأول يسمى: المعنى المجازي، هذا هو الذي عارضه ابن تيمية، وهذه معارضة شرعية واضحة.

فمثلاً: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فـ ابن تيمية يعارض أن يقول قائل: الآية لها معنيان: معنى نسميه: الحقيقة، ومعنى يختلف عن المعنى الأول، وهو ما نسميه: المجاز، فيجعل للآية معنيين بينهما تضاد واختلاف، فهذا هو الذي أراد ابن تيمية أن يقف ضده.

وهذه وقفة صحيحة؛ إذ كيف يُقال: إن الآية لها معنى ظاهر غير مراد، ومعنى آخر مراد، ومن هنا قال: إن ما يسمونه تأويلاً هو قرمطة في السمعيات، حشر الجميع من الطوائف الثلاث في باب القرمطة؛ لأن الجميع إما أنهم صرحوا بالقرمطة كالباطنية، أو قالوا -كـ ابن سينا -: إنه خطاب للعامة، أو قالوا -كالمتكلمين-: إنه من باب التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>