[افتراق الناس فيما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر]
قال المصنف رحمه الله:[ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاث فرق: فالسلف والأئمة وأتباعهم آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين ما في الآخرة، وأن مباينة الله لخلقه أعظم].
وهؤلاء هم الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان، وهذا هو الذي عليه جمهور المسلمين، وهو الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع العلم أن الحقائق في اليوم الآخر تختلف عن الحقائق والصفات في الدنيا، فمن باب أولى أن الصفات في حقه تختلف عن صفات مخلوقاته.
قال المصنف رحمه الله:[والفريق الثاني: الذين أثبتوا ما أخبر الله به في الآخرة من الثواب والعقاب، ونفوا كثيراً مما أخبر به من الصفات، مثل طوائف من أهل الكلام: المعتزلة، ومن وافقهم].
علم الكلام منهج تندرج تحته مدارس عدة، ومن أخص مدارسه: المعتزلة، والماتريديه
ونحوهم، والمتكلمون لم يشتغلوا بالتأويل في باب اليوم الآخر؛ بل يرون أن اليوم الآخر حق على حقيقته وظاهره ولا يحتاج إلى تأويل، فيقول المصنف: كما أنكم أقررتم باليوم الآخر، مع أن ثمة اشتراكاً ولم يلزم منه مطابقة، فيلزمكم أن تقروا بالصفات من باب أولى.
قال المصنف رحمه الله:[والفريق الثالث: نفوا هذا وهذا، كالقرامطة الباطنية، والفلاسفة أتباع المشائين، ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر].
هؤلاء ينفون الأمرين جميعاً، وهذه طريقة ابن سينا ومن وافقه من المتفلسفة، ولذلك كتب الرسالة الأرحوية في تأويل المعاد، فإنه يؤويل المعاد تأويلاً روحانياً، ولا يقر بالنعيم ولا بالعذاب، وغيرها من الحقائق البدينة، فهو رجل يميل إلى تقرير مسألة الأرواح في هذا الباب، وأن باب اليوم الآخر باب روحاني وليس من باب الحقائق الجسدية أو الجسمانية المشاهدة على حقيقتها، كما قرر ذلك في الرسالة الأرحوية.
وابن رشد يقارب بعض هذا المقام، وإن كان يتهيب من كثير من التصريح، لكنه يشارك في بعض هذه المادة.