قال المصنف رحمه الله: [وإطلاق القول عليها بأنها جسم أو ليست بجسم يحتاج إلى تفصيل، فإن لفظ (الجسم) للناس فيه أقوالٌ متعددة اصطلاحية غير معناه اللغوي.
فأهل اللغة يقولون: الجسم هو الجسد والبدن.
وبهذا الاعتبار فالروح ليست جسماً، ولهذا يقولون: الروح والجسم، كما قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}[المنافقون:٤] وقال تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}[البقرة:٢٤٧] وأما أهل الكلام فمنهم من يقول: الجسم هو الموجود، ومنهم من يقول: هو القائم بنفسه، ومنهم من يقول: هو المركب من الجواهر المنفردة.
ومنهم من يقول: هو المركب من المادة والصورة، وكل هؤلاء يقولون: إنه مشار إليه إشارة حسية.
ومنهم من يقول: ليس بمركب لا من هذا ولا من هذا؛ بل هو ما يشار إليه، ويقال: إنه هنا أو هناك.
فعلى هذا إذا كانت الروح مما يشار إليه ويتبعه بصر الميت -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الروح إذا خرج تبعه البصر)، وإنها تُقبض ويعرج بها إلى السماء- كانت الروح جسماً بهذا الاصطلاح].
ولذلك قال الأئمة: إن الله لا يقال: إنه جسم، ولا يقال: إنه ليس بجسم؛ لأن هذا لفظ مجمل حادث، وكذلك الروح، فإذا قيل: هل الروح جسم أم ليست بجسم؟ قيل: ما المقصود بالجسم؟ فإن قصد بالجسم الموجود، فهي جسم، وإن قصد بالجسم البدن، فليست جسماً من هذا الوجه، فالمعنى فيه تفصيل.
والغالب على المتكلمين ونظار المتكلمين أنهم يقاربون الروح إلى نظام وعالم الأجساد، بخلاف المتفلسفة، فإنهم يسلكون معها طريقة التجريد والسلوب.