[استخدام القرآن للأدلة العقلية لإبطال طرق المنحرفين]
قال المصنف رحمه الله: [وقال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٣ - ٤] وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] وقال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٠٠ - ١٠١]].
تأمل هذه الآيات تجد أن سياقها عقلي، يرد فيها الله سبحانه وتعالى ويبطل طرق المنحرفين عن الفطرة، وعن آثار الرسل ودينهم، في مثل قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} [الأنعام:١٠٠] أي: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم، ومع ذلك جعلوا له هؤلاء الشركاء؛ ولذلك تجد في سياق الآيات كقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام:١٠١] أن هذا المعنى من الإثبات يُقصد به بيان الامتناع، فإذا تأملت هذه الآية في ذكر إبطال ما ذكره المشركون من الشركاء من الجن، أو من الولد، أو غير ذلك مما لا يليق به سبحانه وتعالى، ولا بتوحيده، وربوبيته، وألوهيته، وعبادته، تجد أنه يستعمل في القرآن مبنياً على إثبات حقائق فطرية عقلية تكون مانعةً من هذا الطارئ الذي ادعاه المخالفون.
فالله سبحانه وتعالى هو بديع السماوات والأرض، وهذا من الحقائق الفطرية العقلية الضرورية.
ولذلك فإن الله ذكر في سياق الآية قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام:١٠١] أي: لما كان سبحانه وتعالى هو بديع السماوات والأرض؛ امتنع أن يكون له شريك في الملك، أو أن يكون له ولد، أو نحو ذلك؛ ولذلك قال: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام:١٠١] أي: يمتنع أن يكون له ولد وهو بديع السماوات والأرض.
فهذه الطرق النبوية القرآنية في الرد على المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام هي الطرق الصحيحة، وهي طرق عقلية، وبذلك يقضى على هذه الشُّبَه والطارئات بما هو من اليقينيات الضروريات.
وهنا قاعدة شرعية وهي: (أن كل من ادعى غلطاً أو نقصاً فيما جاءت به الرسل، فلا بد أن في دين الرسل من اليقينيات والضروريات ما يدفع هذا الإشكال)، فمن ادعى نقصاً في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو في حديث أو حرف من كلامه؛ فإنه يراجَع في أصل الإيمان بالنبوة، فإذا أقر أنه نبي وآمن بحقيقة النبوة؛ فإن حقيقة النبوة وحقيقة الرسالة معناها أنه لا ينطق عن الهوى.
ولذلك إذا جاء شخص مثلاً متأثر بالغرب، أو مائل إلى شيء من طرقهم، أو منحرف عن الصواب، وأراد أن يجادل في بعض الحقائق الشرعية، فالإغلاق معه أن يُسأل: هل تقر بأن هذا شرعي أم ليس شرعياً؟
أما أن يؤخذ معه على التفصيل فإن هذا قد لا يحيط به أحد؛ لأن الحكم الإلهية لم تفصِّل للعباد، والله تعالى لم يذكر لعباده سائر الحكم؛ بل ذكر جملة منها.
قال المصنف رحمه الله: [وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الفرقان:١ - ٢] وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ} [الصافات:١٤٩]].
هذا امتناع عقلي، وهذا من التنزيه لله سبحانه وتعالى؛ أنه يمتنع أن يكون له شيء من البنات، وكيف يجعل المشركون له البنات ولهم البنون؟! إلى غير ذلك.
وقوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات:١٤٩ - ١٥٠] هذا دليل عقلي بسيط يرد الله به زعم المشركين أن الملائكة إناث، فرد الله عليهم بقوله: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات:١٥٠] أي: هم لم يشاهدوا ذلك، فكيف يقولون: إنهم إناث أو ليسوا إناثاً؟! فإن من بسائط وضروريات العقل أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فهم لم يشاهدوا خلق الملائكة، فكيف حكموا بأن الملائكة إناث؟!