قال المصنف رحمه الله:[ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس، وهي ما يشتبه فيها الحق بالباطل، حتى يشتبه على بعض الناس، ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل.
والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات؛ لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه، فمن عرف الفصل بين الشيئين اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه والقياس الفاسد].
هذا استطراد من المصنف لتقرير وجه من أوجه الفهم والإدراك للحقائق، فإن كثيراً من موارد الاختلاف؛ بل عامة موارد الاختلاف بين المختلفين، تجد أن موجب هذا الاختلاف في الجملة يقع فيه قدر من الإجمال، أو قدر من الاشتراك، فأكثر أسباب الخلاف بين بني آدم هو أنهم يختلفون لأن ثمة وجهاً من أوجه الاشتراك، أو وجهاً من أوجه التشابه، وما إلى ذلك، ولذلك قالت الفلاسفة:"أكثر ما يخطئ العقلاء من جهة المشترك"، ويقول الإمام أحمد:"أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس"، فإن القياس يتنوع على غير وجه، وكذلك التأويل هو قدر من الاشتباه في مورد الدليل أو في مورد الخطاب.
وعليه: فإنه لا بد من تحقيق المناطات إذا ما تكلم في حقائق معينة من الحقائق العلمية؛ سواء كان هذا في باب أصول الدين، أو في باب الفروع، أو في غيرها من مسائل العلم؛ لأن كثيراً من الاختلاف ربما كان من باب التنازع دون تحرير لمحل النزاع، فلابد أن يكون هناك تحقيق وتنقيح للمناط، وهو ما قد يجمل بكلمة التحرير والتعيين لمحل النزاع ومورده.
وهذا مما يلخص كثيراً من أوجه النظر في الاختلاف، بخلاف من ينظر إلى أسفل المسألة المعينة، ويتكلم فيما احتف بها من القرائن، دون أن ينظر في أصل هذه المسألة، أو وجه ورودها في الشريعة، أو وجه ورود الدليل بها، أو ما إلى ذلك؛ فإن هذا في الغالب يقع عنده شيء من الاضطراب وعدم التحقيق.