للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منهج السلف في تفسير الاستواء]

قال المصنف رحمه الله: [وقد علم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقاً معروفة، ولكن المقصود هنا أن يعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره].

يبين المصنف رحمه الله هنا التناقض الذي وقع في طريقتهم، ولم يقصد المصنف أن الاستواء يفسر بهذا، فإن هذا قد يكون من باب الفرق، وقد سبق أن بعض أهل العلم -من باب تحقيق الإثبات- قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] أي: جلس؛ ولذلك فإن من يريدون أن يعترضوا على كلام السلف وكلام الأئمة يذكرون مثل هذه الأفراد من الجمل التي قالها من قالها؛ ولهذا يقال: إن من الحكمة أن يقال: إن هذا اجتهد في كلامه ولم يصب الحق في التفسير الذي درج عليه الجمهور والعامة من الأئمة، وكلامه ليس حكماً مناسباً في تفسير الكلمة؛ ولهذا فلا ينبغي الانتصار لمثل هذا التفسير؛ لما فيه من الفرق، وكما يشير المصنف هنا: أن ثمة فرقاً في لسان العرب بين قولك: جلس زيد، واستوى زيد، فالجلوس والاستواء بينهما فرق، وقد يشتركان في قدر من المعنى، ولكنهما يختلفان.

ولا ينبغي أن يفسر القرآن بمعان تتضمن زيادة عن القدر المشترك؛ فإن هذه الزيادة قد ينازع المنازع فيها ويقول: من أين ثبت هذا القدر من الزيادة؟ فليس هناك حاجة أن يفسر النص بمثل هذا؛ بل يفسر بما درج عليه الأئمة، وبما كان معروفاً من جهة التحقيق في كلام العرب، وهو العلو ..

هذا أمر.

والأمر الثاني: أن البعض يتوهم أن كل كلمة في القرآن لابد لها من تفسير بكلمة أخرى، وهذا ليس بلازم عقلاً ولا شرعاً، إنما يفسر الكلام في أعراف بني آدم إذا احتيج إلى بيانه وتفصيله، فمثلاً: لو قيل: جاء زيد، فإن هذا الكلام مفهوم ولا يحتاج إلى تفسير، فلو قيل في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] إن هذه صفة تليق بجلال الله، فإن الاستواء لا يحتاج إلى تفسير بالضرورة، لكن إذا قيل: ما معنى استوى؟ فيقال: أي: علا ..

وهكذا.

ولذلك فإن الإمام مالكاً لما سئل عن الاستواء كان يسعه أن يقول: الاستواء هو العلو على العرش ..

وهذا معنى صحيح، لكنه قال: "الاستواء معلوم".

أي: أن الكلمة نفسها كلمة بينة مفصلة؛ ولذلك فإن الأجود أن يقال في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] الاستواء معلوم، فإذا قال قائل: ما معنى استوى؟ وما معنى أنه معلوم؟ أو توهم معنىً ليس مناسباً للاستواء، فيقال: هو بمعنى علا وارتفع ..

ونحو ذلك.

وقوله: (ولكن المقصود هنا أن يعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره):

أي: أن المقصود هنا ليس هو الموافقة لهذا التفسير، إنما المقصود أن يعلم أنهم متحكمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>