وهذا من فقه المصنف أنه عبر بكلمة (الرسل)؛ لأن دينهم وأصولهم واحدة.
وقوله:(بإثبات مفصل):
أي: بإثباتٍ لصفاته وأسمائه على التفصيل.
وقوله:(ونفي مجمل):
الكلام المجمل: هو الكلام الكلي الذي لا يفصَّل على معانٍ، وهذا مشهود معروف في عرف الناس وذوقهم وفقههم، وإن عبروا عنه من جهة اللسان أو المنطق أو غيرها بأسماء مختلفة.
وقول المصنف:(والله بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل) لا يريد بذلك أنه لا يقع في القرآن إثبات مجمل ولا نفي مفصل، وإنما يريد هنا أن يبين أصل القاعدة عند أهل السنة المخالفة لقاعدة المخالفين لهم، وإلا فإنه قد جاء في القرآن إثبات مجمل في أسماء الله، كما في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الأعراف:١٨٠] فهذا إثبات مجمل، حيث لم تذكر الأسماء في هذا السياق، نحو: السميع، أو البصير، أو العزيز، أو ما إلى ذلك.
وقد جاء الإثبات المجمل في الصفات في القرآن كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}[النحل:٦٠] أي: الوصف الأعلى، فهذا مجمل، حيث لم يذكر الله في الآية صفة الرضا، أو المحبة، أو العلم، أو القدرة، أو ما إلى ذلك من الصفات، إنما قال:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}[النحل:٦٠]
ويأتي النفي مفصلاً في القرآن أحياناً؛ كقول الله تعالى:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:٤٩] وكقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥] فهذا نفي لصفة السِّنَة، وصفة النوم، وصفة الظلم، وهو نفي مفصل.
إذاً: قول المصنف: (والله بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل) هذا من حيث الأصل والقاعدة، فإن الغالب في كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم هو ذكر التفصيل في مقام الإثبات، وذكر الإجمال في مقام النفي، وإلا فإن هذا يقع وهذا يقع، لكنه ليس هو الأصل.