للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طريقة نفاة صفات الله تعالى]

قال المصنف رحمه الله: [فإنهم يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان].

قوله: (فإنهم يصفونه بالصفات السلبية):

الصفات السلبية: هي صفات النفي، والسلب: هو النفي المجرد، ولا يوجد في القرآن نفي مجرد، إنما الموجود في القرآن هو النفي غير المجرد، أي: أنه يتضمن أمراً ثبوتياً، أما الذي يصفه به هؤلاء فهو السلب أو النفي المجرد، أي: المجرد عن أمر ثبوتي، فلا يتضمن أمراً ثبوتياً؛ لأنهم يقصدون النفي لتحقيق النفي، لا لإثبات كمال من الكمالات.

قال رحمه الله: (فإنهم يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل)، وقد سبق قول المصنف: (إن الله بعث رسله بإثبات مفصل ونفي ومجمل)، بخلاف طريقة هؤلاء فإنهم يستعملون النفي المفصل.

وقوله: (ولا يثبتون إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل) (وجوداً مطلقاً) أي: مجرداً عن الأمور الثبوتية.

ولذلك يقول ابن سينا -وهو شارح نظرية التجريد-: "إن الباري وجود مطلق"، أي: مجردٌ عن الأمور الثبوتية، ويقول: "إنه واحد من كل جهة مجرد عن هذه الإضافات والتخصيصات ... " إلى آخر ما يزعم من الكلام.

وقوله: (وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان):

قوله: (وإنما يرجع) أي: الوجود المطلق، وهو أن الله موجود وليس له صفة ..

يقول المصنف: إذا جُرد الباري عن سائر صفاته؛ من العلم، والحكمة، والرحمة، والعزة، والقدرة ..

إلى غير ذلك من الصفات والأفعال، فإن هذا وجود لا يمكن أن يكون متحققاً في الأعيان، أي: في الوجود الحقيقي، في الخارج؛ وذلك لأن الشيء يكون موجوداً بصفاته، وأما إذا جُرد عن الصفات فإنه يبقى شيئاً ذهنياً، ولو قيل عن إنسان مثلاً -ولله والمثل الأعلى، وهذا في حق المخلوق فكيف بالخالق سبحانه وتعالى- لو قيل عنه: إنه مجرد عن الصفات، فلا يتصف لا بمحبة، ولا بعلم

إلى آخر الصفات الجوهرية، وليس له يد، ولا رجل

إلخ؛ لأصبح هذا الإنسان معدوماً.

فأي شيء في الخارج قائم بنفسه أو قائم بغيره، إذا جُرد عن صفاته العرضية والجوهرية أصبح شيئاً معدوماً، ولذلك سيقول المصنف فيما سيأتي: إن هؤلاء فروا من تشبيه الله بالموجودات فشبهوه بالمعدومات.

<<  <  ج: ص:  >  >>