قال المصنف رحمه الله: [وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] وهو الاختلاف المذكور في قوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}[الذاريات:٨ - ٩]].
وهذا بين، فالتشابه العام: هو ضد الاختلاف المنفي عنه، فقولنا: إن القرآن كله متشابه، أي: أنه لا اختلاف فيه، والله تعالى يقول:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] أي: تعارضاً وتضاداً وما إلى ذلك، ولك أن تقول: إذا قيل: إن القرآن متشابه، فهو بمعنى قولك: إن القرآن محكم.
فالتشابه العام هو بمعنى الإحكام العام، والتشابه العام بمعنى أنه ليس مختلفاً، وهو الذي نفي في قوله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] أي: تضاداً، أو عدم صدق، أو تناقضاً وعدم رشد في الأمر، أو ما إلى ذلك.
قال رحمه الله:[فالتشابه هنا: هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر؛ بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر؛ بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن لوازمه، إذا لم يكن هناك نسخ].
فإن قيل: إذا كان معنى التشابه العام بمعنى الإحكام العام، فلماذا يوصف القرآن بهذا وهذا؟
قيل: وإن كان المعنى في الجملة واحداً، إلا أن كلمة (الإحكام) تفيد الاختصاص بوجه من تحقيق كمال هذا القرآن، كما أن كلمة (التشابه) تفيد بوجه آخر من الاختصاص، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه إذا سمي بمحمد، أو سمي بالحاشر، أو سمي بنبي الرحمة؛ فإن هذا الاسم يدل على معنى لا يكون الثاني منافياً له، بل يكون مشاركاً له، لكن يكون أحد الأسماء أدل على وجه من الاختصاص، كما لو قيل في قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] الصراط المستقيم هو القرآن, وقال آخر: الصراط المستقيم هو الإسلام، وقال آخر: الصراط المستقيم هو الاستقامة على تقوى الله، وقال آخر: الصراط المستقيم هو اتباع سنة النبي, فكل هذه التفسيرات صحيحة، لكن الذكر لواحد منها -وإن دل على المعنى الآخر بالجملة- إلا أنه يعطي اختصاصاً لوجه من الإحكام.
قال المصنف رحمه الله:[وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك؛ بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته، وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته؛ بل ينفيه، أو ينفي لوازمه، بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضاً، فيثبت الشيء تارةً وينفيه أخرى، أو يأمر به وينهى عنه في وقت واحد، أو يفرق بين المتماثلين، فيمدح أحدهما ويذم الآخر، فالأقوال المختلفة هنا هي المتضادة، والمتشابهة هي المتوافقة].
الاختلاف الذي نفي في القرآن في قوله تعالى:{لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] أي: لوجدوا فيه تضاداً كثيراً، وعدم اطراد في الحكم والتشريع، أو في باب الخبر، لكن لما كان القرآن من عند الله؛ تحقق لزوماً أن يكون مطرداً في خبره، ومطرداً في تشريعه.