قال المصنف رحمه الله:[والله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى، وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه].
قياس التمثيل: هو قياس الفرع على الأصل، وقياس الشمول: هو القياس الكلي، وقياس التمثيل ينتهي في الحقيقة إلى قياس الشمول، لكن التفريق بينهما هو من باب التقسيمات.
فالله سبحانه ينزه عن قياس التمثيل، وينزه عن قياس الشمول، وهو القياس الذي يقود لنتائج كلية، وإنما يستعمل في حقه تعالى المثل الأعلى، وهو ما يسميه بعض المصطلحين:(قياس الأولى)، وقد سبق أن قياس الأولى من الدرجة الثالثة من الكلمات وهي: التي يجوز استعمالها عند الحاجة إليها، أما قبل الحاجة إليها فلا يعبر بها، وإنما يعبر بأن الله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، وله الوصف الأعلى ..
وما إلى ذلك.
وقياس الأولى: هو أن كل كمال اتصف به المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو الكمال الإضافي في حق المخلوق، فإن الخالق أولى به.
وهذا من قواعد الإثبات العقلية، وذلك كصفة الكلام والسمع والبصر، ولذلك قال الله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ}[الأعراف:١٤٨] وغير ذلك من الآيات.
قال المصنف رحمه الله:[فإذا كان المخلوق منزه عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم، فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق، وإن حصلت موافقة في الاسم].
فكما أن من النقص أن يتصف الرب بصفات المخلوقات، فإن من النقص أن يكون معطلاً عن الصفات، فإذا قلتم: إن هذا التشبيه نقص، قيل: ونفي الصفات أيضاً نقص؛ لأنه تعطيل عن الكمال.