للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قولنا: (إن الله في السماء)]

قال المصنف رحمه الله: [فلو قال قائل: العرش في السماء أم في الأرض؟ لقيل: في السماء.

ولو قيل: الجنة في السماء أم في الأرض؟ لقيل: الجنة في السماء.

ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السماوات؛ بل ولا الجنة، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن)، فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج:١٥] وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:٤٨]].

ويفسر هذا العلو بحسب سياقه، فلما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:٤٨] عرف أن السماء الذي نزل منه الماء هو السماء الإضافي بالنسبة لأهل الأرض؛ ولذلك فما ذكر في حق الباري سبحانه وتعالى لابد أن يكون هو العلو المطلق الذي يختص به سبحانه وتعالى عن غيره، فإن الله تعالى قد قال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] وبين أن هذا الماء ينزل من السماء، وكذلك الملائكة في السماء، ومعلوم أن هذه السماء ليس هي السماء التي أضافها الله سبحانه وتعالى إليه في سياق ذكر ذاته في قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] فإن هذا قدر مخلوق، أي: ما يختص بمخلوقاته يكون مناسباً لهم، أما أنه في السماء فمعنى ذلك: أنه عليٌ عن خلقه سبحانه وتعالى، وأنه بائنٌ عن خلقه، مستوٍ على عرشه، كما أخبر عن نفسه جل وعلا.

والحديث الذي ذكره رواه البخاري وغيره.

قال رحمه الله: (ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] أنه في السماء، أنه في العلو، وأنه فوق كل شيء).

وهذا أمر بدهي؛ ولذلك لم يتوهم أحد في قول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:٤٨] أكثر من المعنى المعروف، وهو أن هذا المطر ينزل من علو عن الأرض، فهذا الذي لم يدخله قدر من التوهم، فما كان في حق الله يعتبر من باب أولى، ولكن لولا دخول هذه المادة الفلسفية على قوم من المسلمين، فصار عندهم هذا الإشكال وهذا التردد وهذا التوهم الذي ما أنزل الله به من سلطان، وإلا فإنه كما قيل: إن العرب في جاهليتها، بل وجميع أمم الشرك كانت هذه المعاني -كعلو الرب سبحانه وتعالى، وأنه غني عما سواه، وأنه فوق خلقه ونحو ذلك- كانت من المعاني المستقرة التي لا تحتاج إلى كثير من الجدل والنظر والاحتراز ببعض القيود التي أحدثها من أحدثها من المتأخرين من أهل الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>