[مسألة الجوهر والعرض]
قال المصنف رحمه الله: [فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة على أنها متماثلة، فهذا يبنى على صحة ذلك، وعلى إثبات الجواهر المفردة، وعلى أنها متماثلة، وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك].
قوله: (الجواهر المفردة):
هذا مصطلح مولد من الفلسفة، وهم يجعلون الجوهر ما يقابل العرض، ويجعلون الأشياء مركبة إما من الجواهر، وإما من الأعراض، ويجعلون العرض مقابلاً للجوهر، ويجعلون الجوهر: إما جوهراً فرداً، وإما جوهراً مركباً، ويجعلون الجوهر الفرد هو الجزء من المادة الذي لا يقبل الانقسام، ويقولون: إن الأجسام مركبة من الأعراض والجواهر.
وهذا كله سفسطة خيالية عقلية، مناسبة لحال الممكنات، ولو صحت هذه الفرضية فإنها فرضية من خيال الذهن، ومعروف أن العقل إذا تخيل فإنه يتخيل شيئاً ممكناً.
وهذه النظرية المولدة من الفلسفة هي دخيلة على المسلمين، ولذلك يروى في كتب الأخبار: أن إبراهيم بن سيار النظام قال لـ أبي الهذيل العلاف -وكان العلاف أكبر منه سناً-: يا أستاذ! فررت من أن يكون الرب عرضاً، فيلزم أن يكون جوهراً.
فإن المعارض إذا قيل له: لا يلزم ذلك، قيل: فلا يلزم الأول، بمعنى: أنه إما أن يكون القول في المسائل الإلهية يتصل بمسألة العرض والجوهر أو لا يتصل، فإن لم يتصل لم يلزم لا العرضية ولا الجوهرية، وإن اتصل ونفيتم العرضية؛ لزم أن تبقى الجوهرية وهي التجسيم.
يقول: أنتم إذا فرضتم أن يكون الرب عرضاً؛ لزم أن يكون جوهراً، وإذا فرضتم أن يكون جوهراً؛ لزم أن يكون عرضاً، فإن قلتم: إن هذا لا يلزم؛ علم أن هذا المقام بعيد عن هذا القول من أصله.
حتى قيل: إن العلاف بصق في وجهه، وقد كان إبراهيم بن سيار من أكثر الناس ذكاءً؛ بل كان من أعيان الأذكياء والمناظرين؛ لكنه زل زلات كثيرة، وإن كان بعض ما نقل عنه قد لا يصح.
ولذلك فإن بعض الناس تردد في تكفير النظام؛ لأنه نقل عنه ما يوجب ذلك، وفي نظري أن ما لم يعلم انضباطه من المسلمين من أهل القبلة فلا ينبغي أن يتكلف فيه، فما دام أنها رواية تاريخية، فلا يجوز أن يحكم على شخص بمجرد تلك الرواية التاريخية، لكن يقال: من قال كذا وكذا فإنه يكفر، كمن يقول مثلاً بالصدفة، فإن هذا الكلام كفر، لكن هل قال النظام بذلك أم لم يقل؟ الله أعلم.
وفي الغالب أنه لم يقل به؛ لأنه لم ينقل عنه إظهار الزندقة إظهاراً صريحاً، كما نقل عن ابن الراوندي مثلاً، وإن كان الناقلون لذلك هم المعتزلة؛ لأن ابن الراوندي قد رد على المعتزلة كثيراً.
فهنا يجب أن تكون الحقائق بينة، فما كان معلوماً في التاريخ مستفيضاً منضبطاً، أخذ به وبني عليه، وأما ما نقله بعض الإخباريين، فلا يلزم أن يضاف حكم شرعي إلى معين على رواية معينة من الروايات التاريخية التي قد تصدق وقد تكذب.