المقصود بأهل النظر: هم أصحاب النظر العقلي، وهذا هو الغالب على مصطلح النُّظَّار إذا ذكر، فإنه مصطلح متأخر، والغالب على هؤلاء الذين اختصوا بمسألة النظر أنهم من علماء الكلام، ولا يلزم من مصطلح النظر أن يكون نظراً عقلياً على طريقة المتكلمين؛ بل يمكن أن يكون نظراً شرعياً صحيحاً على طريقة المرسلين، فإن النظر العقلي ليس هو النظر بعلم الكلام، ومعلوم أن دليل العقل ليس هو دليل علم الكلام فقط، فإن الله تعالى أمر عباده بالنظر، كما في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأعراف:١٨٥]
ولكن هل أمر الله سبحانه وتعالى سائر المكلفين بالنظر من جهة معرفة وجوده ومعرفة ربوبيته؟
الجواب: لم يأمر الله سبحانه وتعالى سائر العباد أن ينظروا إلى معرفة وجوده؛ لأن وجوده سبحانه وتعالى وربوبيته فطرة فطر الله سبحانه الخلق عليها، ولكن من اختلطت فطرته بشيء من الضلال والشك فإن هذا يكون النظر في حقه مشروعاً؛ لدرء هذا الإشكال، وهذه الشبهة والظلمة التي طرأت عليه.
وأما إذا قصد بالنظر: التفكر في خلق السماوات والأرض على جهة التحقيق والتأمل والتدبر، فإن هذا لا شك أنه مشروع لسائر المكلفين، يقول الله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ}[آل عمران:١٩٠] ولذلك فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "إن الله لم يأمر سائر المكلفين بالنظر"، ومقصوده بهذا النظر أي: من جهة معرفة الرب رباً موجوداً، فإن هذا فطرة في قلوب بني آدم، ولهذا لم يأمر به الباري سائر المكلفين.