وقوله:(وأما العقل فلم ينف مسمى التشبيه في اصطلاح المعتزلة):
هذه مسألة من مسائل الخلاف بين النظار وهي: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن التشبيه هل هو معلوم بالسمع أم معلوم بالعقل؟
فالذي عليه محققوهم أنه معلوم بالعقل، وإذا قيل: إنه معلوم بالعقل، فمن باب أولى أنه معلوم بالسمع، وإنما الغلط ما ذهب إليه بعض غلاتهم الذين زعموا أن تنزيه الله عن النقص إنما علم بالسمع، ولم يعلم بالعقل، فإن هذا من الضلال المبين؛ بل هو معلوم بالسمع ومعلوم بالعقل؛ لأنه قدر كلي.
والقاعدة: أن كل كلي علم بالسمع لزم أن يكون معلوماً بالعقل، وأما الذي يمكن أن يكون معلوماً بالسمع وحده فهو المفصلات، أو ما هو من المفصلات؛ لأنهم إذا قالوا: إنه علم بالسمع ولم يعلم بالعقل، يقال لهم: ما معنى قولكم: إنه لم يعلم بالعقل؟ هل معناه أن العقل يجوز مسألة التشبيه؟ لأنه ليس في الحقائق إلا أحد ثلاث إضافات: إما أن يقال: إن هذا الشيء واجب، وإما أن يقال: إن هذا الشيء جائز ممكن، وإما أن يقال: إن هذا الشيء ممتنع، وهنا يرد عليهم السؤال: هل العقل يقضي بأن التشبيه جائز، أم واجب، أم ممتنع؟ فإن قالوا: ممتنع؛ فمعناه: أن العلم بنفي التشبيه علم بالعقل، وإن قالوا: إنه جائز؛ فهذا لا شك أنه عين الضلال المبين، بمعنى: أن عقولهم قضت بمسألة التشبيه، وهذا ما يبين حقيقة المذهب، وأنه ليس ظاهر القرآن هو الذي قضى بالتشبيه، كما يزعمون أن ظاهر القرآن هو التشبيه، وأن الدليل العقلي هو الذي صرف النص عن التشبيه إلى التأويل.
فإذا كانوا يقولون: إن الدليل العقلي هو الذي صرف النص، فمن أوائل المقدمات أن يقال: إن العلم بنفي التشبيه معلوم بالعقل، أما أن يقال: إنه ليس معلوماً بالعقل، ثم يقال: إن العقل هو الذي قضى بنفي التشبيه، فإن هذا من باب التناقض، فإن العقل إذا لم يكن عالماً به؛ امتنع أن يكون دافعاً له.
وهذا ليس مذهباً للمتكلمين أجمعين؛ بل هو مذهب لقوم من غلاتهم.