للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما كان قابلاً للوجود فهو أكمل مما لا يقبل الوجود

وقوله: (فما لا يقبل الوجود والعدم أعظم امتناعاً من القابل للوجود والعدم):

قبول الوجود والعدم إما أن يكون قبولاً لأحدهما، وإما أن يكون قبولاً لهما، وإما أن يكون نفياً لهما، فما كان قابلاً للوجود وحده فلا شك أنه أصدق وأكمل مما لا يقبل الوجود والعدم، ولذلك قال: (وأيضاً فما لا يقبل الوجود والعدم أعظم امتناعاً من القابل للوجود والعدم)، وهذه من الأحكام البدهية في العقل: أن ما يقبل الوجود فإنه يكون أكمل مما لا يقبل الوجود.

لكنه قال بعد ذلك: (بل ومن اجتماع الوجود والعدم ونفيهما جميعاً)، ومعلوم أن اجتماع الوجود والعدم هو اجتماع للنقيضين، ونفي الوجود والعدم هو نفي للنقيضين، ومعلوم أن نفي النقيضين وجمعهما ممتنع، فكيف قال المصنف: بل ومن اجتماع الوجود والعدم؟

مقصوده: أن الممتنعات ليست درجة واحدة في الامتناع؛ بل بعضها أشد امتناعاً من البعض الآخر، ولذلك قال: كما أنه يعلم عند سائر العقلاء أن اجتماع النقيضين ممتنع، وأن نفيهما ممتنع، أي: أن اجتماع الوجود والعدم ممتنع، وأن نفي الوجود والعدم ممتنع في الشيء، قال: فكذلك أشد من هذا الوجه امتناعاً أن يقال عن الشيء: إنه ليس قابلاً للوجود والعدم، فتكون المراتب العقلية متسلسلة على هذا الوجه:

الأول: قبول الاتصاف بصفات يسمى بها الحي.

الثاني: عدم القبول لصفات الحي وقبول صفات الجماد.

الثالث: عدم القبول لصفات الجماد برفع النقيضين، ومعلوم أن رفع النقيضين ممتنع.

الرابع: عدم القبول للنقيضين، ومعلوم أن عدم القبول للصفة أعظم من نفي الصفة، فكما أن نفي النقيضين ممتنع، وجمعهما ممتنع، فكذلك أشد من هذا وهذا امتناعاً أن يقال: إنه ليس قابلاً للنقيضين، مع أن الثلاثة -وهي: عدم قبول النقيضين، أو رفع النقيضين، أو جمع النقيضين- كلها ممتنعة، لكن أشدها امتناعاً هو عدم القبول، فهو امتناع من جهتين: عدم فرض القبول، وعدم تصور الوجود، أما النقيضان فإنك إذا لم تقل بنفي قبولها إنما قلت برفع النقيضين، فإنك هنا منعت التصور، فيكون تصور النقيضين على حالة من الاجتماع ممتنعاً.

أما الفرض فإنه لم يرفع.

وقد يقول قائل: هل معنى هذا أنه إذا لم نقل برفع النقيضين أن هذا ممكن؟ والجواب: لا؛ لأن الذهن يفرض على جهتين، الجهة الأولى: ما يسمى فرض الذهن، والجهة الثانية: ما يسمى تصور الذهن.

وتصور الذهن يكون فقط في الممكنات، أما فرض الذهن فإن الذهن يفرض الممتنعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>