[من الطرق العقلية في إثبات الصفات: أنه لو لم يوصف الله تعالى بأحد المتقابلين للزم وصفه بالآخر]
قال المصنف رحمه الله:[والمقصود هنا: أن من الطرق التي يسلكها الأئمة ومن اتبعهم من نظار السنة في هذا الباب: أنه لو لم يكن موصوفاً بإحدى الصفتين المتقابلتين للزم اتصافه بالأخرى، فلو لم يوصف بالحياة لوصف بالموت، ولو لم يوصف بالقدرة لوصف بالعجز، ولو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام لوصف بالصمم والخرس والبكم].
لقد سبقت الإشارة إلى هذا سابقاً، وهو أن من الطرق العقلية التي يسلكها الأئمة: أنه لو لم يوصف بأحد المتقابلين للزم أن يوصف بالآخر، فإذا ما علم أنه منزه عن الجهل بالاتفاق؛ لزم أن يكون موصوفاً بالعلم، ولما علم بالاتفاق أنه منزه عن العمى؛ لزم أن يكون موصوفاً بالبصر ..
وهكذا في سائر الصفات.
فيكون ذلك من طرق إثبات الصفات بالعقل: أن العلم بتنزيهه عن أحد المتقابلين -وهو النقص- علم ضروري، فإذا عرف أنه منزه عن هذا النقص بالضرورة الشرعية والفطرية والعقلية؛ لزم أن يكون المقابل ثابتاً؛ لأن نفي المتقابلين يكون ممتنعاً.
قال رحمه الله:[وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم لكان داخلاً فيه، فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى، وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات، فتنزيه الخالق عنها أولى].
قوله:(وتلك صفة نقص) أي: دخوله في العالم، فلما علم أنه منزه عن هذا النقص بالضرورة وبالاتفاق؛ علم أنه مباينٌ للعالم، وإذا كان مبايناً للعالم، فإما أن يكون العالم هو العالي، وإما أن يكون العالم هو السافل، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون محايداً أو أسفل من مخلوقاته؛ فلزم أن يكون الحكم العقلي يقضي بأن الله فوق خلقه، كما نطق به القرآن في قوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل:٥٠] وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١] إذاً: فما ذكره الله تعالى في كتابه موافق من كل وجه لحكم العقل.