وكل نفي مفصل في القرآن فإنه يتضمن أمراً ثبوتياً؛ فلما نفى الله عن نفسه الظلم دل ذلك على إثبات العدل، ولما نفى عن نفسه السنة والنوم دل ذلك على كمال حياته وقيوميته؛ ولذلك فإن الله تعالى في كتابه الكريم لا يبتدئ بذكر النفي المفصل في أوائل الآيات، إنما الذي يُبتدأ به هي صفات الإثبات، ولذلك لما قال الله تعالى:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:٢٥٥] قال سبحانه بعد ذلك: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥] من باب تحقيق كمال حياته وقيوميته، ولذكر كمال عدله قال الله سبحانه وتعالى:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:٤٩] فكان نفي الظلم يتضمن كمال العدل، ولذلك هذا النفي المفصل يقال: إنه يتضمن أمراً ثبوتياً وهو كمال الضد، ويقال: إنه إذا ذكر في حق الله -أعني: النفي المفصل- يذكر في مثل سياقه، وهذا هو المناسب له.
قال المصنف رحمه الله:[فأثبتوا له الصفات على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل].
قوله:(من التشبيه والتمثيل) هذا جمع حسن.
قال المصنف رحمه الله: [كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم:٦٥] قال أهل اللغة: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم:٦٥] أي: نظيراً يستحق مثل اسمه، ويقال: مسامياً يساميه، وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس: هل تعلم له مِثْلاً أو شبيهاً].
هذا معناه واحد، سواء قيل:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم:٦٥] أي: شبيهاً، أو مثيلاً، أو نظيراً، أو ما إلى ذلك.