الغرض من وضع اللفظ بإزاء المعنى هو إفادة النسب الإسنادية أو التقييدية، أو الإضافية بين المفردات بعضها إلى بعض، وإفادة المعانى المركبة بالنسبة للمركبات، فمثلا لفظ «زيد» وضع ليستفاد به الإخبار عن مدلوله بالقيام أو غيره ولم يوضع لإفادة الذات. ولو قلنا: إن الغرض من وضع الألفاظ المفردة تصوّر هذه المعانى المفردة للزم الدور، حيث إن إفادة اللفظ لمعناه يتوقف على العلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، والعلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى يتوقف على تصور هذا المعنى، لأنه لا يتصور الوضع لشىء مجهول، ومن هنا يعلم أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع، فلو قلنا: إن تصور المعنى مستفاد من الوضع لزم من ذلك أن يكون تصور المعنى متأخرا عن العلم بالوضع، وقد فرضناه متقدما عليه، وبذلك تكون النتيجة أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع متأخر عنه وهو دور.
فإن قيل: هذا بعينه قائم فى المركبات، لأن المركب لا يفيد مدلوله إلا عند العلم لكونه موضوعا لذلك المدلول والعلم به يستدعى سبق العلم بذلك المدلول، فلو استفدنا العلم بذلك المدلول من ذلك المركب لزم الدور، لأن تصور المعنى المركب متقدم عن الوضع متأخر عنه.
والجواب: لا نسلم أن إفادة المركب لمدلوله متوقفة على العلم بكونه موضوعا له، بل على العلم بكون الألفاظ المفردة موضوعة للمعانى المفردة، وعلى كون الحركات المخصوصة كالرفع والنصب دالة على المعانى المخصوصة وحينئذ فلا دور (١).
(١) شرح الاسنوى ١/ ١٦٨، وأصول الفقه للشيخ زهير ١/ ١٩٨.