للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه فى كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر نسخا، لأن جميع ذلك مشترك فى معنى واحد، وهو أن النسخ فى الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد فى التكليف، وإنما المراد ما جىء به آخرا فالأول غير معمول به والثانى هو المعمول به. وهذا المعنى جار فى تقييد المطلق، فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده فلا إعمال له فى إطلاقه، بل المعمل هو المقيد، فكأن المطلق لم يفد مع مقيده شيئا فصار مثل الناسخ والمنسوخ.

وكذلك العام مع الخاص، إذ كان ظاهر العام يقتضى شمول الحكم لجميع ما يتناول اللفظ. فما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار، فأشبه الناسخ والمنسوخ إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص (١) وبقى للسائر على الحكم الأول والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق. فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ فى جملة هذه المعانى لرجوعها إلى شىء واحد. اه.

هذا وقد ذكر العلامة جلال الدين السيوطى الآيات التى قيل عنها إنها منسوخة الحكم فقط دون التلاوة وها أنا ذا أذكرها على حسب ترتيبها فى المصحف وأبين بحمد الله موقف العلماء تجاه القول بإحكامها أو نسخها وسيتضح لنا جليا أنها فى واد والنسخ فى واد آخر.

[الآية الأولى:]

قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (٢)


(١) أى أهمل منه ما دل الخاص على إهماله وهو ما عدا مدلول الخاص.
(٢) سورة البقرة الآية: ١١٥.

<<  <   >  >>