للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موافق لمدلوله فى محل النطق وعليه فيكون المسكوت عنه موافقا فى الحكم للمنطوق به.

على أن هنا من الأصوليين من أدخل هذه الدلالة فى القياس، وسماها القياس الجلى أو قياس الأولى وذلك لأن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق لظهور العلة فيه على نحو أقوى من المنطوق به، وعلى هذا فإن دل بعبارته على حكم فى واقعة ووجدنا واقعة أخرى متفقة مع الأولى فى العلة، وأولى منها بالحكم، وكانت هذه المساواة أو الأولوية تفهم بمجرد فهم اللغة دون حاجة إلى نظر وتأمل واجتهاد، فإنه يتبادر إلى الفهم حينئذ أن النص يتناول الواقعتين، وأن الحكم المنصوص عليه يثبت للمسكوت عنه أى يثبت للواقعة الثانية.

والظاهر- والله أعلم- أن دلالة النص تفترق عن القياس من جهة أن العلة هنا يمكن لكل عارف باللغة، أن يدركها دون نظر واجتهاد، بعكس القياس فإن العلة فيه يحتاج استخراجها إلى نظر واجتهاد.

[ومن أمثلة دلالة النص:]

(أ) قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١) فهذا النص الكريم يفهم من عبارته تحريم أكل أموال اليتامى ظلما، ويفهم من دلالته تحريم أن يؤكلوها غيرهم، وتحريم إحراقها وتبديدها وإتلافها بأىّ نوع من أنواع الإتلاف، لأن هذه الأشياء تساوى أكلها ظلما فى أن كلا منها اعتداء

على مال القاصر العاجز عن دفع الاعتداء، وعليه يكون النص المحرم بعبارته أكل أموال اليتامى ظلما محرّما إحراقها وتبديدها بطريق الدلالة، وواضح أن المفهوم الموافق المسكوت عنه مساو للمنطوق.


(١) سورة النساء الآية: ١٠.

<<  <   >  >>