أولا: لا نسلم أن النسخ باطل، بل هو إبطال لأن الباطل ضد الحق، والنسخ حق وصدق، وإن كان المنسوخ غير معمول به، ومن ثم فلا دلالة فى الآية على المطلوب، ومعنى الآية كما ذكر العلماء أن ألفاظ القرآن محفوظة من التغيير والتبديل، ولا يمكن أن يتطرق إلى ساحته الخطأ.
ثانيا: سلمنا أن النسخ باطل لكنا نقول: إن الضمير فى قوله تعالى: لا يأتيه راجع إلى كل القرآن وعليه فيكون المعنى إن كل القرآن لا يأتيه الباطل أى النسخ، ونحن جميعا متفقون على أن القرآن جميعه لا ينسخ لأنه معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم المستمرة على التأبيد وعليه فمحل النزاع لا دلالة فى الآية عليه.
ثالثا: سلمنا أن النسخ باطل لكن معنى الآية أنه لم يتقدم على القرآن من كتب الله تعالى ما يبطله ولا يأتى بعده من كتب الله تعالى ما يبطله، وهذا لا ينافى أنه يأتى فيه نفسه ما يبطل بعضا بعضا وعليه فلا دلالة فى الآية على المدعى (١).
[ثالثا: شبهة مذهب العيسوية:]
سبق أن ذكرت أن مذهب العيسوية يرى جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، كل ما فى الأمر أنه لا يعترف بأن شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة لشريعة سيدنا موسى عليه السلام. بل يقولون:
هى خاصة للعرب من بنى إسماعيل عليه السلام، وقد استدلوا على الجواز العقلى والوقوع الشرعى للنسخ بما استدل به القائلون بالجواز والوقوع، وأما أن شريعة موسى عليه السلام غير منسوخة بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيستدلون عليه بما يلى:
(١) الإحكام ٣/ ١١٤، ونهاية السول ٢/ ١٧١، وتفسير ابن كثير ٧/ ١٧١، وتفسير البيضاوى ٣٣٦، وتفسير الجلالين ٤٤١.