للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب المرجئة (١) إلى القول بجواز أن يعنى خلاف الظاهر بدون قرينة، وغالوا فى ضلالهم حيث قالوا: إن المراد بظواهر الآيات والأخبار الدالة على عقاب الفاسقين، ووعيد العصاة والمذنبين هو الترهيب فقط لحمل الناس على الكف عن ارتكاب المعاصى، وذلك حتى لا يختل نظام العالم بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضر مع الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع الكفر.

ويترتب على هذا الكلام الخطير الكذب فى أخباره تعالى وهو كفر والعياذ بالله، ويرد عليهم بأن كلامهم هذا يؤدى إلى ارتفاع الوثوق عن النصوص الشرعية لاحتمال أن يراد بها خلاف الظاهر وهو باطل قطعا.

أضف إلى ذلك أنه يفتح بابا للفساد وافتراء المفترين على الدين حتى يصرفوا كل النصوص الشرعية عن ظاهرها، بحجة أنها غير مرادة، وينهدم بذلك- لا قدر الله- صرح الدين. هذا وما يقال بالنسبة للقرآن الكريم، يقال أيضا بالنسبة للسنة المطهرة فلا يتأتى فيها ألفاظ مراد بها غير الظاهر بدون قرينة.

وبهذا يتضح لنا أن الألفاظ لا بدّ أن تستعمل فى معانيها الموضوعة لها، حيث لا قرينة وإذا وجدت القرينة حملت الألفاظ عليها ويكون ذلك من باب المجاز. كما لا يجوز حيث لا قرينة أن تستعمل الألفاظ فى غير


(١) المرجئة: فرقة تزعم أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله دخل الجنة وإن عمل أى عمل. فهم يرون أن الإيمان قول بلا عمل، كأنهم قدموا القول وأخروا العمل أى أرجئوه فسموا مرجئة، ويعتقدون أن الذنوب كلها صغائر ولا تضر مرتكبها ما دام على الإسلام ولذاك قال شاعرهم:
مت مسلما ومن الذنوب فلا تخف ... حاشا المهيمن أن يرى تنكيدا
لو رام أن يصليك نار جهنم ... ما كان ألهم قلبك التوحيدا
(اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ١٠٧، وشرح البيجورى على الجوهرة ٢/ ١٢٩).

<<  <   >  >>