للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكافأت المجازات يعنى لم يترجح واحد منها على الآخر بمرجح من المرجحات المذكورة فى باب التعارض والترجيح، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (١) على رأى أبى عبد الله البصرى رحمه الله، فإن حقيقة هذا اللفظ هو نفى ذات الصلاة عند عدم قراءة أم الكتاب، ولكن هذه الحقيقة غير مرادة للشارع، لأنا نشاهد الذات قد تقع بدون القراءة فتعين الحمل على المجاز، وهو إضمار الصحة أو الكمال، ولما كان إضمار الصحة أقرب إلى نفى الذات كان أرجح من إضمار نفى الكمال، وذلك لأن نفى الذات يستلزم انتفاء جميع الصفات، ولا شك أن نفى الصحة أقرب إليه فى هذا المعنى من نفى الكمال، لأنه لا يبقى مع نفى الصحة وصف بخلاف نفى الكمال فإن الصحة تبقى معه.

هذا وقد قال العلماء: إن الإجمال واقع فى الكتاب والسنة، وقال أبو بكر الصيرفى رحمه الله: ولا أعلم أحدا أبى هذا غير داود الظاهرى رحمه الله. وقيل إنه لم يبق مجمل فى كتاب الله تعالى بعد موته صلى الله عليه وسلم (٢).

وقال إمام الحرمين الجوينى رحمه الله (٣): إن المختار عندنا أن كل ما يثبت التكليف به لا إجمال فيه، لأن التكليف بالمجمل تكليف بالمحال، وما لا يتعلق به تكليف فلا يبعد استمرار الإجمال فيه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

وقال الماوردى والرويانى رحمهما الله (٤): يجوز التعبد بالخطاب المجمل قبل البيان، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال له:


(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه ١/ ٢٧٣ - ٢٧٥.
(٢) إرشاد الفحول ١٦٨.
(٣) البرهان فى أصول الفقه ١/ ٤٢٥.
(٤) إرشاد الفحول ١٦٨.

<<  <   >  >>