للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الحكمة فى نسخ الحكم بما يساويه فهى الابتلاء والاختيار ليميز الله الخبيث من الطيب، أما الحكمة من بقاء التلاوة مع نسخ الحكم- عند القائلين به- فتسجيل هذه الظاهرة الحكيمة ظاهرة سياسة الإسلام للناس حتى يشهدوا أنه الدين الحق، وأن نبيه صلى الله عليه وسلم نبى الصدق. يضاف إلى ذلك ما يكتسبونه من الثواب على هذه التلاوة، ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها.

وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فحكمته تظهر فى كل آية بما يناسبها.

ومن أمثلة ذلك: أنه روى عن عمر بن الخطاب وأبى بن كعب رضى الله عنهما أنهما قالا: كان فيما أنزل من القرآن: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. أى كان هذا النص آية تتلى، ثم نسخت تلاوتها وبقى حكمها معمولا به، والسر فى ذلك أنها كانت تتلى أولا لتقرير حكمها ردعا لمن تحدثه نفسه أن يتلطخ بهذا العار الفاحش من شيوخ وشيخات، حتى إذا ما تقرر هذا الحكم فى النفوس نسخ الله تلاوته لحكمة أخرى هى الإشارة إلى شناعة هذه الفاحشة، وبشاعة صدورها من شيخ وشيخة حيث سلكها مسلك ما لا يليق أن يذكر فضلا عن أن يفعل، وسار بها فى طريق يشبه طريق المستحيل الذى لا يقع كأنه قال: نزهوا الأسماع عن سماعها والألسنة عن ذكرها فضلا عن الفرار منها ومن التلوث برجسها (١).


(١) لطائف الإشارات ٤٠، ٤١، ومناهل العرفان ٢/ ٩٢.

<<  <   >  >>