للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التلاوة وحدها وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره كما فى رجم الزناة المحصنين فلا تلبيس من الشارع على عبده حينئذ.

الثانية: إن نسخ التلاوة فقط دون الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم لأنه من التصرفات التى لا تعقل لها فائدة.

وتدفع هذه الشبهة بجوابين هما:

الأول: أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الفائدة حتى يكون عبثا كما تقولون. بل فيه فائدة عظيمة هى حصر القرآن فى دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه، وذلك سور محكم يحمى القرآن من أيدى المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص، لأن الكلام إذا شاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف ويقابل بالإنكار، ومن هنا يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١).

الثانى: لو سلمنا عدم العلم بالحكمة والفائدة فى هذا النوع من النسخ فهو لا يصلح حجة على خلوّ هذا النوع من الفائدة، لأن عدم العلم بالشىء لا يصلح أن يكون حجة على العلم بعدم ذلك الشيء وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم؟

وهل يشك عاقل فى أن كل ما يصدر عن الله تعالى يصدر عن حكمة سامية وإن كنا لا نعلمها؟ قال تعالى:

وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٢).

أما ترى رب البيت وهو يأمر أولاده الصغار بما لا يدركون له فائدة لنقص عقولهم على حين أنه فى الواقع مفيد، وهم يأتمرون بأمره، وإن


(١) سورة الحجر الآية: ٩.
(٢) سورة الإسراء الآية: ٨٥.

<<  <   >  >>