للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلف العلماء فى هذه الآية. أبقيت محكمة لم يدخلها النسخ أم نسخت؟ فقال بعضهم: إنها منسوخة. ثم هؤلاء القائلون بالنسخ اختلفوا فيما بينهم فى الناسخ لها أهو الكتاب أم السنة؟ فذهب جماعة إلى القول بأن الناسخ (١) لها قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ (٢) وقالوا إن الترتيب فى التلاوة ليس دليل الترتيب فى النزول. وقال ابن سلامة (٣) بعد ذكر الآية التى يراها منسوخة: وهى من أعاجيب المنسوخ نسخها الله بآية قبلها فى النظم. وذهب جماعة إلى القول بأن الناسخ لها السنة، واستدلوا بما روى عن عائشة وأم سلمة رضى الله عنهما: «لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء» (٤).

وبهذا الحديث قال ابن عباس والشافعى رضى الله عنهم.

والحق أن الآية محكمة لم يدخلها نسخ، ولا يوجد تعارض بين الآيتين حتى يدفع بالنسخ، لأن النسخ يعتمد على ثبوت تأخر الناسخ عن المنسوخ، وأن يكون بينهما تعارض وأين هذا مما يقولون؟ وهل مجرد احتمال أن تكون آية: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ متقدمة فى النزول كاف لإثبات النسخ فيها؟ إن ادعاء النسخ هنا لا دليل عليه، لأن الآيتين متفقتان لا تناقض بينهما. ومعنى آية: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ نهيه صلى الله عليه وسلم عن تزوج غيرهن أو طلاقهن وأن يتبدل بهن. ومعنى الآية الأخرى: أن الله عز وجل أحل له صلى الله عليه وسلم من ذكرهن وهى زوجاته.

والقائلون إن الآية منسوخة بالسنة، وأن ذلك دليل على جواز نسخ الكتاب بالسنة فأمرهم أعجب حيث إن المجيزين لنسخ الكتاب بالسنة


(١) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ٧٥، والإتقان ٣/ ٧٦٠.
(٢) سورة الأحزاب الآية: ٥٠.
(٣) الناسخ والمنسوخ له ٧٥.
(٤) أخرجه الترمذى فى سننه ٥/ ٣٥٦.

<<  <   >  >>