للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبلغه عن ربه، وذلك بكونه معجزا للبشر لا يقدرون على الإتيان بسورة مثله، ولو اجتمع الإنس والجن على ذلك.

وثانيهما: هداية الناس لما فيه صلاحهم فى دنياهم وأخراهم.

أما الغرض الأول: وهو كونه آية على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فلا يمكن تأديته بالترجمة اتفاقا، فإن القرآن- وإن كان الإعجاز فى جملته لعدة معان كالإخبار بالغيب واستيفاء تشريع لا يعتريه خلل وغير ذلك مما عدّ من وجوه إعجازه- إنما يدور الإعجاز السارى فى كل آية منه على ما فيه من خواص بلاغية جاءت لمقتضيات معينة، وهذه لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى اتفاقا.

فإن اللغات الراقية وإن كان لها بلاغة، ولكن لكل لغة خواصها لا يشاركها فيها غيرها من اللغات، وإذا فلو ترجم القرآن ترجمة حرفية- وهذا محال- لضاعت خواص

القرآن البلاغية، ولنزل من مرتبته المعجزة إلى مرتبة تدخل تحت طوق البشر، ولفات هذا المقصد العظيم الذى نزل القرآن من أجله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وأما الغرض الثانى: وهو كونه هداية للناس إلى ما فيه سعادتهم فى الدارين فذلك باستنباط الأحكام والإرشادات منه. وهذا يرجع بعضه إلى المعانى الأصلية التى يشترك فى تفاهمها وأدائها كل الناس وتقوى عليها جميع اللغات. وهذا النوع من المعانى يمكن ترجمته واستفادة الأحكام منه، وبعض آخر من الأحكام والإرشادات يستفاد من المعانى الثانوية، ونجد هذا كثيرا فى استنباطات الأئمة المجتهدين ....

ومما تقدم يعلم: أن الترجمة الحرفية للقرآن لا يمكن أن تقوم مقام الأصل فى تحصيل كل ما يقصد منه لما يترتب عليها من ضياع الغرض الأول برمته وفوات شطر من الغرض الثانى.

<<  <   >  >>