إن الحاكم في الإسلام مؤتمن على مصالح المسلمين وليس له أكثر من كونه منفذا لا مشرعا لأن التشريع إنما هو لله عز وجل وبذا يضمن الحاكم والمحكوم على حد سواء الخوف من الوقوف في الجور أو انتشار الفساد وتفكك المجتمع والفرقة التي تنشأ في الغالب من البعد عن هدي الله عز وجل وهدي نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهذا بخلال الديمقراطية التي يكون الحاكم فيها مشرعا من دون الله تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:٤٠].
فإذا طبق الشعب والحاكم هذه المفاهيم كانوا صخرة قوية تتحطم عليها كل آمال الحاقدين وأعداء الملة وعاشوا في سعادة ووئام كأنهم أسرة واحدة.
(قال ابن القيم رحمه الله: (فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، أتم دلاله وأصدقها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة، والغذاء، والدواء، والنور، والشفاء، والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود، فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة). إذا تبيّن هذا، فليُعلم أنّ ما يُسمى (الديمقراطية) بمعناها الذي أراده مخترعوها، والدعاة إليها ـ فقد يُراد بإطلاقها جهلا أنها ما يُضاد الإستبداد فحسب ـ هي أعظم مناقضٍ للشريعة، والداعون إليها، هم الدعاة إلى أبواب جهنم، لأنهم هم الداعون إلى رفض الحكم بما أنزل الله تعالى، المبتغون حكم الجاهلية، ذلك أن الديمقراطية تعني اتخاذ أحكام البشر بإعتبار أصوات غالب ممثليهم، شريعة بديلة عن شريعة الله تعالى، مهيمنة بأحكامها على الأقوال، والأفعال، والأفكار، وجميع السلوك الإنساني، والعلاقات الدولية الداخلية، والخارجية، لها أنْ تحلّ ما حرّم الله، وتحرّم ما أحلّ الله تعالى.
فهي أمّ القوانين التي تخلقها إفكا، وهي منبع الطواغيت التي تحدثها باطلا، وهي مصنع الجاهلية المعاصرة التي تصدّ عن سبيل الله تعالى، وتحارب شريعته.
ومعلوم أن سدنة هذا الدين الجديد، يقولون إنّه لا يُحكم على السلوك الإنساني منفردا أومجتمعا في صورة دولة، بأنه صواب أو خطأ، فيكون جريمة، أم سلوكا مباحا، إلاّ بقانون، ولابد للقانون من مشرِّع يشرّعه، ومصدر يُحدثه، ويُنشئه:
فإمّا إن يكون مصدره من غير البشر، وهو الله تعالى، عند أتباع الرسل.