للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يرددونه من أن كل الأشياء تحوي تناقضات داخلية مجتمعة في وحدة يسمونها وحدة الأضداد أو وحدة المتناقضات تتصارع فيما بينها ثم ينتج عن ذلك الصراع تطور في صعود دائم لا ينتهي فهو افتراض سخيف إذ لا يوجد إلا في الذهن والذهن قد يتصور أن المستحيلات ممكنة أحيانا ذلك أن اجتماع النقيضين أمر غير ممكن إلا إذا صدقنا بأن الحرارة والبرودة تجتمع في النار أو الحياة والموت يجتمع في الشخص في وقت واحد وليس من هذا ارتفاع الضدين في وقت واحد فإنه ممكن كقول الناس: هذا لا هو أبيض ولا هو أسود، أي على لون غير هذين اللونين أصفر أو أحمر، أما أن يقال هذا أبيض وأسود أو ساكن ومتحرك في وقت واحد فهو مستحيل. لقد غلا الشيوعيون في تقديس المادة وعتوا عتوا كبيرا إلى حد أنه تنطبق عليهم المقالة المشهورة " إذا حدث الشخص بما لا يعقل فصدق فلا عقل له " فأي عقل سليم وأي فطرة سليمة تصدق أن المادة الصماء هي الخالقة وهي الرازقة وهي المدبرة لجميع أمور هذا الكون علوية وسفلية، ظاهرة وخفية مع اعترافهم هم أيضا بأن تلك المادة لا حياة لها ولا فكر ولا تدبير في البدايات الأولى لها غير ما تخيلوه أنها بعد ذلك تطورت حتى أوصلت هذا الكون على ما هو عليه الآن ثم يقولون هي أزلية لا بداية لها ولكنهم يتوقفون حينما يقال لهم أنها حادثة ولا يستطيعون الجواب لأنهم متناقضون وإذا أفحمهم العقلاء عن سر وجود هذا الكون قالوا بأن الكون وجد من العدم ولا يبالون بسخف واستحالة هذا القول، والقول الآخر بأن المادة هي التي تسير العقل وتوجد الفكر لا أن العقل هو الذي يوجد المادة ويكيفها كما يريد مكابرة منهم وجهلا شنيعا حيث صار المصنوع صانعا على حسب مفهومهم فالطائرة هي التي كونت فكرة الإنسان لصناعتها وما الذي يمنعهم من هذا وقد زعموا أن الحياة كلها ظهرت صدفة دون مدبر عليم نتيجة تفاعلات المادة الناتجة عن حركتها الذاتية المستمرة لا أن هناك ربا خالقا لها وهي مكابرات لعلهم أول من استيقن بطلانها لولا العناد والاستكبار وتنفيذ خطط ماكرة (١) أملتها الأحقاد اليهودية على مر السنين.

ثالثا: التطورهذه الكلمة تتردد على ألسنة كثير من الناس بعضهم يدرك المدلول والمغزى الأساسي لها وبعضهم يعرفها بصورة مجملة ويرددها على هذا المفهوم، وهي في ظاهرها كلمة جميلة توحي بالتجديد والنشاط والحيوية المطلوبة إلا أنه ينبغي أن ندرك أن كثيرا من أصحاب الأفكار الهدامة قد استغلوها استغلالا فاحشا وبنوا عليها آراءهم التي يهدفون من ورائها إلى تغيير المفاهيم السليمة والمعتقدات المستقيمة والحياة الاقتصادية تغييرا جذريا يتفق مع ما بينوه لقلب الحياة الاجتماعية. وسيتضح ذلك من خلال دراستنا لهذه المادة وحسبنا هنا أن نذكر مفهوم التطور بصورة موجزة وهل التطور الذي يريده الشيوعيون هو تطور حقيق أم خرافات وهمية تخيلوها لتأييد ما يهدفون إليه من الإلحاد؟ والتطور بحد ذاته يراد به كما عرفه بعضهم بقوله هو: " الانتقال من مرحلة إلى مرحلة والتغيير من حال إلى حال" (٢).

والواقع أنه إما يكون التطور في خلق الإنسان وتركيبه، وإما أن يكون في أصل نشأة الكون وما فيه.


(١) ((نقد أصول الشيوعية)) (ص ١٨).
(٢) [٤٥٦]- انظر ((الشيوعية في موازين الإسلام)) (ص ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>