كما أنها كذلك تثير مشاعر الأثرة في الوالدين وتقوي حب التملك من أجل توريث الأولاد ما يملكه الوالدان. ومعنى هذا العودة إلى نشوء الملكية الفردية وهو ما تحاربه الشيوعية بكل ضراوة وتبعا لبغضهم الملكية الفردية فإنه يجب أن يبغض كل شيء يمت لها بصلة ومن جهة أخرى فإن البديل للأسرة في النظام الشيوعي هو الولاء للدولة والذوبان في النظام والحزب والزعيم والوطن وليس غير ذلك بينما نظام الأسرة يشكل ارتباطا آخر غير هذا الارتباط العام الذي لا تسمح الشيوعية إلا به لأن النظام الشيوعي ومثله النظم المتجبرة – تريد أن يكون الشعب كله في طاعة عمياء للحزب وولاء مطلق لهم وجواسيس على بعضهم بعضا لا يخرج عنهم أحد ونظام الأسرة لا يسمح بتنفيذ هذا كما يريدون فالأسرة لا تسمح بأن يخل بنظامهم الاجتماعي أي أذى وهذا يحد من نشاط الجاسوسية الدقيقة على كل فرد من أفراد المجتمع، كما أنه يحد من استعباد الدولة للشعب والقضاء على الأسرة من الضمانات التي يعتمد عليها النظام الشيوعي في تربية الأولاد منذ نعومة أظفارهم على الولاء الكامل للدولة والحزب والزعيم وليس وراء ذلك أي ولاء لأحد.
ومن العجيب أنهم يسمون الجهل والتخبط القائم على غير دليل صحيح يسمونه نظريات علمية أو أبحاثا علمية، فترى الكثير من الناس يسارع إلى تقبل تلك النظريات دون أن يكلف نفسه السؤال عن مدى صحة تلك الدعايات وهل هي فعلا نتجت عن علم حقيقي أم عن تخطيط مدروس للإجهاز على القيم والأخلاق والتدين باسم العلم والتقدم.
إن كل ما جاء به الملاحدة من مزاعم عن بدء الأسر وتكونها وأنها مرت بفترات أولها الشيوعية الأولى ثم بدأت الأسر تتكون بفعل التطور الاقتصادي كما يزعمون إن هو إلا كذب وجرأة على تشويه تاريخ الأمم لا يستندون فيه إلا على ما تخيلوه في أذهانهم المريضة وما يزعمونه أيضا من وجود تلك الشيوعية في بعض القبائل المتأخرة التي عثر عليها في آسيا وإفريقيا واستراليا في القرنين السابقين، إن صدقوا، ولكن هل انحراف هؤلاء يكفي دليلا لتلطيخ تاريخ البشرية كله بسبب انحراف جماعة هنا أو هناك؟
إن تفسير الملاحدة لقيام الأسرة بأنه عن دافع اقتصادي فقط هو قول باطل وقصور واضح مع العلم أن للأوضاع الاقتصادية جانب مهم في حياة الناس ولكن ليس هي كل شيء في حياتهم بل هي أحد العوامل في حياتهم الواسعة الشاملة التي لا يمكن أن تنحصر في جانب واحد وكذلك فإن قيام الأسرة لم يكن سببه فقط الدوافع الجنسية والاقتصادية بل له أسباب كثيرة تتطلبها فطرة الإنسان وما جبلت عليه من حب الهدوء والألفة وبناء الحياة والأنس بالآخرين وحب التكامل وحب تربية الأطفال التي لا يمكن أن تتكامل تكاملا صحيحا جسديا وعقليا في غياب الأمهات عن أولادهن وترك الأولاد للمحاضن الجماعية التي هي أشبه ما تكون بتربية قطعان الحيوانات دون شعور بالحب والعطب والراحة النفسية التي يجدها الطفل في حضن أمه.
ومما تقدم فإنما هو إشارة إلى أن تكوين الأسرة لم يكن ناتجا عن الفطرة الاقتصادية فقط كما زعم الملاحدة بل لأسباب نفسية كثيرة أرادها الله عز وجل وفطر النفوس عليها ومن شذ عن هذا السلوك فهو شاذ ولهذا لا يشعر الإنسان بتلك السكينة والطمأنينة التي يجدها في بيته وبين أطفاله مهما وجد من المتع الجنسية عن طريق الحرام ومهما ملك من الأموال كما أنه لن يجد حلاوة ذلك التنظيم الإلهي لتكوين الأسرة وتكافلها فيما بينها وقيام الرجل بواجباته خارج البيت وقيام المرأة بواجباتها داخل البيت وتصريف الأولاد في الأمور التي يطيقونها وما ينشأ عن ذلك من الهدوء والسكينة والتعاون الذي حرم منه أولئك المعاندون للفطرة وللعقل ولأحكام الله عز وجل.