للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ - أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل الإسلام حقيقة: فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف - أن ينظر إلى دين الإسلام نفسه، وما هو عليه من الإحكام والحسن، وما فيه من الهداية إلى كل خير، والتحذير من كل شر.

ب - أن انحرافات المنتسبين للإسلام لا يعاب بها الإسلام، ولا تحسب عليه: فالشيوعيون يطعنون بالدين من خلال ما يرونه من انحرافات بعض المنتسبين للإسلام، كبدع الرافضة، وشطحات المتصوفة، وغيرهم ممن ينحرف به المسار، وينسب انحرافه إلى الدين.

ولاريب أن الدين براء من هذه التهم، فمن أراد الإسلام الحق فليطلبه من مصادره الصحيحة.

ج - النظر في حال القائمين بالدين الحق: فالعدل يقتضي بأن ينظر في حال القائمين بالدين حق القيام، المنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم كما كان الصدر الأول ومن تبعهم بإحسان.

فإن ذلك النظر يملأ القلب إجلالاً، والعين هيبة ووقاراً لهذا الدين وأهله المتمسكين به، العاملين بتعاليمه، مما يسر الناظرين، وتقوم به الحجة على المعاندين.

أما مجرد النظر إلى حال المسلمين التاركين لدينهم، الناكبين عن صراطه، الناكثين عهده فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه؛ فالدين بريء من تبعة المنتسبين إليه دون أن يعملوا بما جاء به.

د - أن تأخر المسلمين ليس بسبب التمسك بالدين: بل إن العكس هو الصحيح؛ فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة إلا عندما فرطوا في دينهم، ونسوا حظاً مما ذكروا به؛ فهبطوا من عليائهم، ولقوا ذلاً بعد عز، وضعة بعد رفعة، وهبوطاً بعد شمم، وجهلاً بعد علم، وخمولاً بعد نباهة؛ فمن له أدنى بصيرة يعلم أن الإسلام يدعو إلى الصلاح والإصلاح في أمور الدين والدنيا، ويحث على الاستعداد في تعلم العلوم النافعة، ويدعو إلى كل ما من شأنه تقوية العزائم، وإنهاض الهمم؛ كي تقوى الأمة، وتتبوأ مكانها اللائق بها.

وإنه لمن الظلم، والتعصب المقيت، وقصور النظر أن ينظر إلى حال المسلمين في هذه الأوقات، فيظن أنها هي الصورة التي تمثل الإسلام.

فإذا أراد المرء أن ينظر بعدل فلينظر إلى الصدر الأول وما يليه من عصور العز؛ عندما دانت أمم الأرض للمسلمين، فنشروا فيها الرحمة، ورفعوا في سوحها لواء العدل والحكمة، فهفت إليهم القلوب قبل الأبدان، وخضعت لهم الدنيا من مشارقها إلى مغاربها.

وهل رقت أمم الغرب الآن، وبزت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقولهم بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية؟

ألم تكن تلك الأمم في غابر الأزمان، وفي القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل والوحشية والهمجية؟

ألم يكن المسلمون وقت قيامهم بهذا الدين هم سادات الخلق؟

ألم تكن مدنية الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية؟ حيث كان روحها الدين، والعدل والرحمة والحكمة، وقد شملت بظلها الظليل وإحسانها المتدفقِ الموافِقَ والمخالفَ والعدو والصديق؟

فهل أَخَّرهم دينهم، وهل منعهم الرقي الحقيقي؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة؛ إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟

ثم لما قصَّر المسلمون في الاستمساك بدينهم، وتفرقوا شيعاً، وارتقى الكفار في علوم المادة وفنون الصناعات، ووصلوا إلى شأن لم يسبق له مثيل - هل أغنت عنهم تلك المدنية، وذلك الترقي فتيلاً؟ ألم تكن حضارتهم قائمة على الظلم، والجشع، والاستبداد، والاستبعاد، والقتل، والنفي، والتشريد؟

فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً إذا خلا من الدين الحق؛ لأن من انفرطت عليه مصالح دينه انفرطت عليه مصالح دنياه تبعاً لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>