ثم إن الملاحدة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الرقي بسبب نبذهم للدين، وإنما أوصلهم إلى ذلك جدهم، واجتهادهم، وأخذهم بالأسباب التي مَنْ أخذ بها وصل إلى غايته.
وبهذا يُرَدُّ على من زعم أن نَبْذَ الدين سبب للترقي.
٢ - العقل الصحيح: فالعقل الصحيح يدل دلالة قاطعة على بطلان الشيوعية؛ فأهل العقول الصحيحة متفقون على أن أفضل المغانم والمكاسب ما اكتسبته القلوب، واستنارت به العقول من العلوم الصحيحة، والمعارف النافعة والإيمان الصادق، والأخلاق العالية، التي من اتصف بها كمل سؤدده وتناهى فضله إن كان فرداً والتي تسعد بها الأمة، ويرتفع شأنها، ويهاب جنابها.
ومعلوم أن الشيوعية تناقض العقل الصحيح في أعظم القضايا، ألا وهي قولها بالإلحاد، وإنكار الخالق، ودعوى أن الطبيعة مُوْجِدَةٌ لنفسها، أو أنها وجدت صدفة.
ومن نظر إلى هذا العالم، وما أودع الله فيها من المخلوقات المتنوعة، والحوادث المتجددة أدرك أن لهذا الكون خالقاً مُحْدِثاً وهو الله - عز وجل -.
فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور:
أ - إما أن تُوْجَدَ هذه المخلوقات صدفة من غير مُحدث ولا خالق.
وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير مُحْدِث، ولا موجد، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة.
ب - وإما أن تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها، وهذا محال ممتنع - أيضاً - فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم؛ فكيف يكون خالقاً؟!
وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث:
ج - وهو أن هذه المخلوقات لها خالق خلقها، ومُحْدِثٌ أحدثها، وهو الرب العظيم الخالق لكل شيء، المدبر للأمور كلها.
وقد ذكر الله هذا التقسيم العقلي القاطع في سورة الطور، قال - تعالى -: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُون [الطور:٣٥].
يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولاهم الذين خلقوا أنفسهم؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله - تبارك وتعالى -.