وقد وجدت الملكية الفردية حربا شعواء من قبل الملاحدة وحملوها كل أوزار المجتمع البشرية بعد تركهم الشيوعية الأولى التي كان الناس فيها على الملكية الجماعية يعيشون أسعد الأحوال بزعمهم دون صراع طبقي أو أحقاد، إلى أن عرف الناس الملكية الفردية وما تبعها من تطورات، إلى أن وصلوا إلى الرأسمالية التي سببت للبشرية أنواع الشقاء والصراعات الطبقية، إلى أن ظهرت الشيوعية الثانية لتعيد الناس إلى جنتهم السابقة حسب زعمهم، وقد تناقض الملاحدة هنا فبينما يزعمون أن الرأسمالية والملكية الفردية هي السابقة للاشتراكية لأنها جاءت كمنقذ إذا بهم يزعمون أن الاشتراكية البدائية هي السابقة للرأسمالية.
ومما يجب أن يتنبه له الشخص هو معرفة ما هي الملكية الجماعية التي ينادي بها الشيوعيون وكيفية الرد عليها وأنها وهم خاطئ فإن الملكية الجماعية التي ينادي بها الملاحدة هي سلب كل شيء وجعله في يد الدولة التي هي نائبة للشعب أو نائبة عن طبقة البروليتاريا الكادحة ويزعم هؤلاء أن العدالة تقتضي أن تضع الدولة يدها على كل مرافق الإنتاج وهي بدورها تقوم بتوزيعه بالتساوي بين الناس وبذلك ينتهي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان الذي تمارسه الرأسمالية ومن هنا فقد نادوا بإلغاء الطبقات والانضواء تحت راية الشيوعية لتخليصهم من نظام الطبقات التي جاءت به الملكية الفردية وأن على جميع الشعوب أن تناضل الطبقات المالكة المتحكمة في مصالح الشعوب الذين بأيديهم الجاه والسلطة والمال وأن هذا النضال لا ينبغي أن يتوقف إلا بالقضاء التام على هذه الطبقات واستعلاء طبقة البروليتاريا التي ستحكم هي الأخرى حكما صارما لا رحمة فيه إلى أن يتحقق لهم ما يريدون من إقامة النظام الشيوعي بدون منازع حيث سيقوم نظام البروليتاريا على الدكتاتورية الشديدة ما دام يوجد أعداء للشيوعية ولهذا يطلقون عليهم "دكتاتورية البروليتاريا" أي حكم الفقراء وهذا الوصف سينتهي أيضا حينما تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها في كل العالم فلا تبقى تلك الدكتاتورية إذ أن الشعب أصبح حاكما نفسه بنفسه وكلهم طبقة واحدة هي "البروليتاريا" وقد رأى العالم مدى صحة هذه الأحلام الفارغة حيث أصبحت تعاليم "ماركس" تحت النعال بعد أن أثبتت فشلها الحتمي شأنها شأن كل الأفكار والمعتقدات الباطلة. وهناك الكثير من المبادئ الماركسية التي تطرقت إلى كل جانب من جوانب الحياة، والذي يهمنا هو معرفة الفشل الذريع الذي لحق بالاشتراكية في معالجتها هي والشيوعية للحالة الاقتصادية، وكيف كانت النتيجة التي وصلت إليه النظريتان الجهنميتان فإنهما بعد أن عاثتا في الأرض فسادا طوال سبعين عاما من قيامهما المشؤوم وأتتا على الأخضر واليابس وقتل بسببهما ملايين لا يعلم عددها إلا الله ودنست الأخلاق ومزقت الأسر وعلا قرن الشيطان (١)، فأذن الله تعالى في إظهار فشل الشيوعية ذلك الفشل الذريع في سد الحاجات الضرورية لأتباعها من الموارد الزراعية إلى أن أصبحوا يتكففون الغرب الرأسمالي الذي تنبأ لهم "ماركس" بأنهم سيكونون أول من يتقبل الاشتراكية الشيوعية بصدر رحب بزعمه وكان الشيوعيون يصفون الغرب وغيرهم بالتخلف والجمود.
وما أن قويت الثورة الصناعية عندهم حتى فاجأتهم بزيادة العمل وقلة المكاسب وتدني الحياة وتدني الأخلاق وزيادة الفقر وانخفاض المستويات الصحية وسلب الحريات في البلدان الشيوعية وكممت الأفواه واشتد الحكم بالحديد والنار وأصبح العامل يعمل لصالح الدولة لا لصالحه مقابل كفالة الدولة لطعامه وشرابه ببطاقته الشخصية بما يسد حاجته الضرورية فقط.
(١) انظر ((تنزيه الدين وحملته ورجاله)) مما افتراه القصيمي في أغلاله (ص ٤٧٤).