وينبغي أن لا نكتفي بأقوال الرؤساء فان هؤلاء تغلب عليهم السياسة، فلا يريدون أن يفرقوا بل ان الفخذ الخارج يقول أنا من عشيرة كذا، أو أن العشيرة تعرفه خارجا عنها. وليس فى هذا سبّة. وانما يحافظ هو على أصله، وتحفظ له العشيرة ذلك فلا ينسى ... وهذا لم يمنع التفادي فى حب العشيرة التى عاش فيها والمشاركة معها فى الدم والمصيبة أو (الصيحة) ، ولكن ذلك لا يؤدي الى اختلاط النسب. وأسباب الاختلاط كثيرة منها قدم السكنى، والزواج والمصاهرة، واللجوء لضرورة رآها مما يهدد حياته أو يجعلها فى خطر ... أو هناك مصلحة قاهرة ... والاختلاط لا يكون امتزاجا بالدم.
وهذا ما نعرفه. ولا نعلم غيره. وجل ما نقول (ملحق) أو (تبع) أو (مساكن) أو (نزيل) ... ونحن بوضع تاريخي فلا نخرم قواعد جرت فى انساب العشائر، ومن المشهود ان بعض المختلطين قد يتولون رئاسة العشيرة لما ظهرت لهم من مواهب ومر بنا أمثلة ذلك. والافالعشائر لا يزالون على الاحتفاظ بالنسب. واذا كان من المحتمل ان ينسى الملحق أو التبع فيعد من العشيرة فهذا بعد أن نسي أمره وعد من أصل العشيرة فمن أين حصل لنا الدليل على انه ملحق أو ليس بأصل ومثل هذه كل ما يقال فيها (تخرصات) . والحكم للامر الثابت. والدليل اذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.
هذا. والطارقة، أو الراية، والصيحة، أو المشاركة بالدم والمصيبة كل هذه لا تدل على اتحاد نسب وانما هو الاتفاق والتضامن على درء العدو المشترك ...
ويعين أصل العشائر (انسابها) ، وتاريخها، ومحفوظاتها المتوالية المتناقلة وغالب هذا مما لا يشتبه فيه أو لا يداخله ريب فى غالب حالاته. وتاريخ العشيرة محفوظ فى الغالب أو مدوّن فى وقائعها. وقلّت العشائر المتحيرة أو تكاد تكون مفقودة، وايجاد احتمالات فى أصولها مما لا يوزن بميزان علمي.
والرؤساء ورجال العشيرة يعرفون انتسابهم، والمختلطون يعرفون أصلهم والاسباب التى دعت الى الكتمان قد تزول بزوال أثره.
وتهمنا الاشارة هنا الى ان الافخاذ والبطون أو العمائر أو العشائر والقبائل أو الامارات مما يجب الاحتفاظ بمصطلحاتها. ولا معنى لتبديل هذه ولا فائدة فى ذلك. و (الحمولة) تطلق على بيت الرئاسة، أو البيت ذي المكانة كأن يقال فلان من حمولة طيبة أي فخذ غير مطعون به. أو من بيت الرئاسة. الا أننا نرى فى بعض المواطن اطلاقه على ما تكوّن من بطن أي عدة أفخاذ. وهذا قليل.
ولا فائدة لنا فى تغيير المصطلح أو تبديله. وأصل (البيت) وتكوّنه وتولد الافخاذ منه، ثم (الفرع الاعلى) أو (الفرق) أو البطون، و (العشائر) ، و (القبائل) من الامور المشهودة. وتتعاظم (العشائر) حتى تتكون منها (الامارة) . وهذا جاء على اطراد. وقد يسمى ب (البيت) ، ويتقدمه (البو) أو (آلبو) . وربما لازمه هذا ولو كان تولد منه فروع تالية ...
ومر بنا مصطلح القحطانيين. وفى هذا مصطلح العدنانيين. والتفاوت يسير، ويفهم مما عرف من تفرعات ...
٣ - المجتمع الريفي من ظواهر المجتمع الريفي حروبه وسياسته وسائر أحواله. فانه يدقق من نواح عديدة من تلك الظواهر وغيرها. ويتناول العقيدة، والافراح، والاحزان، وعرف العشائر وهكذا الاموال والممتلكات والمساكن وسائر ما يرتبط بعيشته وحياته وأسرته ... ودامت العلاقة بهذه غير منفكة عنها ولا عن الارضين أو الغرس ... ومثل ذلك القنص والصيد، والثقافة ...
ولا تختلف هذه عما فى البداوة وما فى العشائر الزبيدية والقحطانية الا فى الكم وبعض الكيف وللمواطن علاقة فى التكييف والتبديل. فاذا كانت سكنى البادية مقصورة على الخيام، فان الاكواخ، والصرائف والجبايش لا تفترق كثيرا الا فى الاستقرار وعدمه. فالاستقرار من خصائص الارياف. وللمواطن دخل كبير فىوضع البيوت. وزاد فى ذلك الغرس فكان خطوة كبيرة لها أثرها الفعّال. ولعل اللباس لا يختلف الا بالنظر للحالة التى عليها أهل الارياف وهى متقاربة نوعا. وفيها بعض التفاوت احيانا. ولا شك ان التصوير يمثله بأوضح ما يمكن لتفاوت الطبقات.