والعقيدة اسلامية. ليس فى الارياف غيرها. وهذه تختلف عن عقائد أهل البادية فانها أكثر تعقيدا. ويؤمل أن تلقن العقيدة الى هؤلاء بأبسط أوضاعها وأحكمها. فلا تخرج عن ذلك والا كان نصيبها الخذلان، والمهم ان تنحَى عنها الخرافات، وما من شأنه أن يفسد صفوتها. وبذلك يحق أن نقول ان للارياف عقيدة. وحالتهم اليوم سيئة لا يعرفون من دينهم ولا عقائدهم الا بعض المظاهر فالجهل مستول عليهم. وتدارك الامر سهل. بأن يدربوا ويلقنوا أصول العقيدة، وأركان الاسلام. فاذا تمكنا من تعليم هذه بأقل ما تجوز به، فحينئذ من السهل التوسع دون توغل. وهكذا التعويد على العبادات ومن لوازمها النظافة، وترتيب الحياة الاجتماعية. وبين هذه ما يوجَه توجيها لائقا ...
ولعل التبدل مشهود فى توسع المعرفة ويدعو الى زوال خرافات كثيرة ومن المهم أن تكون العقيدة بمقدار الحاجة، وان تكون العبادة اداة نافعة فى الاذعان للقدرة الالهية، ووسيلة للحياة الاجتماعية، ومراعاة الصحة العامة. وأهم وسائلها تلقين ان النظافة من الايمان، وان العبادة اذعان للباري تعالى، وانقياد للعظمة الالهية.
وكل ما يشاهد فى الارياف يحتاج الى توجيه وتنظيم ليكون اداة صلاح، وتدريبا لخير الاعمال. والمعاكسة لا تثمر. وقد سبق أن تكلمنا فى المجلد السابق على لزوم توجيه المجتمع نحو الوجهة الصالحة وحسن المعاملة مع الناس استفادة مما هو معلوم فى المجتمع ... ومهمة الاجتماعي استغلال الاوضاع للتوجيه الحق.
٤ - الزراعة التنقل من حالة البداوة الى الارياف خطوة محمودة نحو الحضارة بل ان الارياف من مسهلات المعيشة فى المدن والتعود أو التقرب الى حياتها. ولولاها لضاقت بالناس احتياجاتهم المدنية فهى من مقومات الحضارة الا أن البداوة فى حركتها الى الارياف تقلل من عجرفة البداوة أو وحشتها، والزراعة من أهم وسائل الارياف فى معايشها وحياتها. ويغلب عليها التأثير على الحياة العامة. فهى أصل الحياة الاجتماعية. وبذلك تكون قد قلَلت من الخشونة لما توفر لها من رزق من طريقه المشروع ... فارتبطت بأرض، أو أنها عاشت فى نطاق معين مهما كانت رقعته واسعة. والارض فى وضعها تلهم الحياة الاجتماعية والفردية. ونرى الحياة الزراعية أقرب للبداوة فلا ينفر منها البدوي. وانما توافق مألوفه وتلتئم نوعا وحياته.
يبذل البدو جهودا جبَارة ومخاطرات للحصول على العيش ولا يكون الا بعناء وشظف. يجتزى بالقليل عن الكثير. وفى ميله الى الارياف يحصل على ما يسد حاجته، ويزيد بما يزرعه دخله أو ما تنتجه أرضه، أو ما يربيه من نعم وشاء مما هو صالح لنفعه. فيقوم بالانتاج النباتي والحيواني. وحاجة المدن اليه تسهل الامر، وتدعو الى تبادل المنافع لقوام هذه الحياة. وتكون علاقته بالمجتمع كبيرة ومتصلة اتصالا وثيقا.
كان يترقب الفرصة فتهيأت له، واغتنم وجود خلل فى الارياف أو اختلالا فى وضعها، أو أنه كان عن تدافع ونضال حتى ربح المعركة، فحل محل مناوئه، وصار يتفق مع هذا أو ذاك لبقائه وبقاء من يستعين به. وربما استعان به الضعيف فأفسح له المجال. وحوادث كثيرة مشاهدة من جوائح وطواعين أو حروب طاحنة تدعو الى الجلاء. وحالات تاريخية عديدة أدت الى هذا التنقل والتحول حتى اكتسب صفة أهل الارياف. ولا يتأتى له بسهولة أن يسلك هذه الحياة، ويراعي تلك المعيشة. وربما طال التدافع جيلا أو جيلين ليألف تلك الحياة، أو يتقرب منها.
وربما استعان بأهل المعرفة بالزراعة فشاركهم، وصار يتقرب الى حالاتهم ليكون كأحدهم. ولا شك ان الخطوة الاولى ترضى بالمراقبة، واستخدام الآخرين، وان يتدرب حتى يزرع. ويعرف طريق تربية الحيوانات الاهلية مما لم يكن ألفه سابقا. يترك رويدا رويدا مقتنيات البادية، وربما غرس الغرس أو سار فى الزراعة مدة ثم انتقل الى موطن الصق به وهو الغرس. وفى هذا يكون كأهل المدن لا يتزحزح من مكانه، ولا يبرح منزله.
والغرس والزرع من أوضح صفات الارياف الا أن الميل الى الزرع أقرب للبدوي كما ان الريفي يتطلَع الى الغرس وهو أقرب اليه. ولعله خطوة كبيرة نحو الحضارة. وأجل خطوة لاتخاذ القرية، أو القرى. وحياة الزرع تتناول أنواع المزروعات من ذرة ودخن وشعير وحنطة ورز وقطن وسمسم وخضر عديدة.