وهذه المزروعات بعضها أوفر من غيرها فى بعض المواطن، فنرى الاهلين يتعاطون ما يوافق رغبتهم، ويؤدي الى منتوج زائد من تربتهم. فيحصل المطلوب. وبعض المواطن لا تعرف الا بعض المزروعات دون الاخرى. فنرى (زراعة الشلب) أكثر فى بعض المواطن. وفى البعض الآخر الحنطة. وفى بعضها الذرة أو الدخن، أو الشعير ... وكلها تابعة لطبيعة الارضين ...
وفى الزراعة تعاملات تتعلق بأصل الزرع، وروابط تجارية لا تحصى من التعاملات أو العقود الزراعية والمعاملات التجارية. ولعل فى هذه ما يبصر بحالة الزراع والمعاقدين منهم فينجلي وجه ذلك بصورة صحيحة.
والتعاملات الزراعية كثيرة. فان جماعات تقوم بالزرع. ولكل جماعة (جوق) أو سركال أو رئيس عرف معلوم. وهذا اتفاق زراعي لاعلاقة له بالقرب والبعد بين أفراد العشيرة الواحدة. وانما هو ائتلاف طبع بين المتزارعين وقد يكونون أقرب لبعضهم. والمشهود فى هذه الحالة الطاعة للرئيس أو المقدم الذى يتولى ادارة الشعبة الزراعية. ليقوم كل بما ترتب عليه من واجب.
وما يحصل يقسم بين الفلاحين وبين الملاك أو صاحب الارض. ويوضح هذا ان الجوق يقاسم الملاَك بالنصف أو ما ماثل كالثلث ويعتبر حقا للارض. وقد يكون حق الارض لرئيس العشيرة، والباقي يوزع بين الزراع، ويعتبر (افصاخا) أى حصصا. وفى الاغلب (سبعة أفصاخ) للسر كال فصخان والباقي للفلاحين. وهى خمسة افصاخ، فيأخذ السر كال سهمان وخمسة أسهم للفلاحين ... والرسوم الاميرية زالت من البين. وما يقدم الى الاسواق يؤخذ منه الرسم وزال ما كان يستوفى من الرسوم بسبب الاستهلاك، وذهب ضررها، وتدخل الحكومة من أجلها.
وهذا فى زراعة الحنطة والشعير وسائر المزروعات الريفية الا انه يختلف قليلا فى بعض المواطن الفراتية فى زراعة الشلب، وفى نتيجة اعتيادات محلية. والمثال يعرف بما هنالك من كم وكيف. ويصعب أن نراعي قاعدة عامة. وكلها لا تختلف الا اختلافا بسيطا ...
ومما يستحق الذكر ان الفلاح يأخذ نصيبه مطردا فيما اذا كانت البذور تعود له، وله دواب الزرع ومعداته والا فانه يضطر أن يؤدي نصف استحقاقه الى من شاركه بالبذور والدواب الخاصة بالزرع. ويكون المشارك صاحب سهم. وهذا قليل، وتابع لضعف حال الزراع. والا فان الزارع قد يكون صاحب أرض، فتكون المنتوجات له (فلاحة ملاجة) أي الفلاحة له والملاكة له أيضا.
وغالب الرؤساء يحلّون محل الملاك، فتكون الارض لهم، فيأخذون ما يأخذه الملاك، فيكون نصيبهم وافرا جدا. وتختلف الاوضاع كثيرا، وتتبع الارض وحالتها من أنواع الاراضي، فتؤدي العقر ان كانت معقورة. وهكذا تختلف اذا كانت أميرية صرفة، أو أنها مفوضة بالطابو أو مملوكة ...
وهنا المجموعات الزراعية قوة بيد الرؤساء. لا تختلف كثيرا عن البداوة فى تمثيل قوة العشائر، وتظهر هذه القوة فى المنازعات بينهم وبين المجاورين، أو لوقائع أخرى تقع اعتياديا أو ضرورة. والضرورة تدعو أن يحدد ما يستوفيه الملاك أو صاحب اللزمة ليتمكن الفلاح من القيام بالمصالح الاجتماعية، والتعاون ... وقد أوضحنا ذلك فى المجلد السابق. وهكذا يقابل فيما تستوفيه الدولة فان ذلك واجب التحديد ما أمكن. وبذلك ترفيه على الفلاح.
٥ - الاموال والمقتنيات ومن الزراعة تولّدت مقتنيات الارضين، والحيوانات من نعم (غنم ومعزى) ، وخيول، وبقر، أو جاموس، وحمير وابل ... الا ان الابل قد تقل أو تنعدم. وأما الخيل فانها ركوب أهل الارياف ومثلها الحمير قلّت قيمتها بعد شيوع السيارات والسكك الحديدية الا فى الطرق التى لا تصل اليها السيارات متواليا، أو بعيدة عن السكك الحديدية. والوضع على طريق عام يسهل النقل بها. وفى المواطن الاخرى على جانب الانهر، وفى الاهوار تستخدم وسائط النقل المائية. وللموطن أثره فى تربية المواشي. ففى الاهوار يستخدم الجاموس، وفى الحرث البقر، والاستفادة الغذائية منها فى الحليب واللبن الرائب، وفى الزبد والدهن والجبن. وهكذا ينتفع من جلودها وصوفها وسمنها وتوالدها.
ولا مجال للاطالة فان فوائدها معلومة. وانتاجها مشاهد. وقد سبق أن تكلمت فى الخيول. ولا يختلف وضعها الا ان الفوائد والانتفاع يختلف كثيرا عما هنالك. ومراعاة (الرسن) لا يختلف كما ان العربي لا ينسى نسبه فى الاغلب ولا يترك نسب فرسه (رسنها) .
٦ - الغرس والمغارسات